غابرييل غارسيا ماركيز (1927 – 2014) أديب وصحفي كولومبي، يُعد أحد أبرز رواد الواقعية السحرية في الأدب العالمي. عرف بقدرته الفريدة على مزج الأسطورة بالواقع، ليصوغ أعمالًا خالدة مثل “مئة عام من العزلة” و”الحب في زمن الكوليرا”. نال جائزة نوبل للآداب سنة 1982 تقديرًا لإبداعه الذي تجاوز حدود أمريكا اللاتينية ليصبح صوتًا عالميًا للحرية والخيال. ارتبط اسمه أيضًا بالقضايا التحررية، حيث دعم حركات المقاومة في العالم الثالث، من بينها القضية الفلسطينية والثورة الجزائرية، ما جعله رمزًا أدبيًا وثوريًا في آن واحد.
من وهران إلى بيروت: ثورة ماركيز بين الذاكرة والكتابة
أما علاقته بالجزائر فقد بدأت في منتصف الخمسينيات حين اعتقلته الشرطة الفرنسية بباريس ووضعته في زنزانة مع جزائريين. كتب لاحقًا: “لقد تعرفت عن قرب على قضية عادلة، وصرت أحرص على لقاء مناضلين بجبهة التحرير الوطني.” ومنذ تلك اللحظة صار يقول إن شيئًا جزائريًا قد نما داخله، فتحولت الجزائر إلى مدخل سياسي وثقافي لفهم معنى الحرية. عاد إليها سنة 1976 للمشاركة في المهرجان الثقافي الإفريقي الثاني، حيث التقى مفكرين وأدباء من إفريقيا والعالم العربي، ووصف وهران كمدينة متوسطية تشبه مدن الكاريبي، جسرًا يربط الجنوب بالجنوب. ولم يكن تأثير الجزائر سياسيًا فقط، بل انعكس أيضًا في كتاباته، إذ جسدت روايته “خريف البطريرك” (1975) ملامح الاستبداد في العالم الثالث بما يعكس مشاهد جزائر ما بعد الاستقلال، بينما ولدت فكرة “وقائع موت معلن” (1981) من حادثة صادفها في مطار الجزائر الدولي. كما لا يمكن الحديث عن ماركيز الثائر دون التوقف عند أثر رفيقه وصديقه تشي غيفارا الذي رسخ فيه قناعة أن الأدب ليس ترفًا بل التزامًا وشهادة، وأن الكتابة جزء لا يتجزأ من معركة الحرية مثل البندقية.
الأدب كسلاح ضد النسيان: ماكوندو، فلسطين والجزائر
بين ماكوندو كاستعارة لعزلة أمريكا اللاتينية، وفلسطين كرمز الجرح الإنساني المستمر، والجزائر كمختبر الثورة والتحرر، صنع ماركيز هويته ككاتب عالمي وثائر أممي. وفي كلمته الشهيرة عند تسلمه جائزة نوبل عام 1982 قال: “العنف الهائل والألم الذي شهدته أراضينا هو نتيجة لا مساواة تاريخية ومرارة لا حد لها… هذا، يا أصدقائي، مقياس عُزلتنا.” لكنه أنهى خطابه بنبرة تفاؤل: “أمام هذا الواقع الساحق، ليس لنا إلا أن نحلم… شعوب أمريكا اللاتينية وبلدان الجنوب واثقة من أن الحياة لن تكون دائمًا على هذا النحو، وأنه لا يزال هناك متّسع على هذه الأرض للسعادة.” وهكذا، لم يكن غابرييل غارسيا ماركيز فقط صاحب الواقعية السحرية وماكوندو الأسطورية، بل كان أديبًا ثائرًا منح صوته لفلسطين، ووهب قلبه للجزائر، وجعل من تجربته اللاتينية مرآةً لعزلة الشعوب جميعًا. من استوكهولم إلى وهران، ومن بيروت إلى بوغوتا، ظل يؤكد أن الأدب يمكن أن يكون سلاحًا ضد النسيان، وأن الحلم قادر أن ينتصر على العزلة



















