تطرق مقال لوكالة الأنباء الجزائرية إلى المساعي المتواصلة للجزائر من أجل ترسيخ مكانتها كفاعل محوري في مسار الاندماج الإفريقي، مستندة إلى إرث تاريخي طويل من الالتزام بمبادئ الوحدة القارية. وأوضح المقال أن الجزائر، من خلال مبادراتها الدبلوماسية والاقتصادية، تسعى إلى تعزيز صعود إفريقيا على الساحة الدولية وبناء مستقبل مشترك يقوم على الازدهار والتضامن، وهو ما تجدد التأكيد عليه عبر احتضان الطبعة الرابعة لمعرض التجارة البينية الإفريقية من 4 إلى 10 سبتمبر.
وأشار المقال إلى أن الجزائر لعبت دوراً محورياً في نشأة منظمة الوحدة الإفريقية وتوجيه مسارها، حيث ناضلت من أجل تحرير بلدان القارة من الاستعمار، وكان كفاحها التحرري ضد الاحتلال الفرنسي مصدر إلهام لشعوب إفريقيا. كما سخرت دبلوماسيتها لرفع صوت القارة في المحافل الدولية، مدافعة عن سيادتها ومطالبة بإصلاح المؤسسات الدولية.
وأوضح النص أن السياسة الجزائرية منذ الاستقلال استندت إلى مبادئ عدم التدخل، وحق الشعوب في تقرير مصيرها، والحوار الإفريقي الشامل. وقد واصلت الجزائر إطلاق المبادرات الرامية إلى تسوية النزاعات واستعادة الأمن ومكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للحدود، سواء في محيطها الإقليمي أو على مستوى القارة.
وبحسب المقال، فإن الاستراتيجية الحالية تحت قيادة الرئيس عبد المجيد تبون تأتي امتداداً لهذا النهج عبر رؤية بعيدة المدى ترمي إلى تعزيز الوحدة الإفريقية والتقارب بين شعوبها. وترتكز هذه الرؤية على التضامن الفاعل والدعم المتبادل في مواجهة التحديات المشتركة، إلى جانب طموح اقتصادي يقوم على إطلاق ديناميكية جديدة للنمو مدفوعة بالتجارة البينية الإفريقية واستغلال القدرات الداخلية للقارة.
وفي هذا السياق، أطلقت الجزائر عدة مشاريع هيكلية، أبرزها مشروع الطريق العابر للصحراء الذي يمتد على عشرة آلاف كيلومتر ليربط الجزائر بلاغوس، إضافة إلى الطريق الرابط بين تندوف والزويرات في موريتانيا، وهي محاور برية تهدف إلى فك العزلة عن منطقة الساحل وتعزيز المبادلات التجارية داخل القارة. كما أُشير إلى مشروع أنبوب الغاز العابر للصحراء الذي يربط نيجيريا بأوروبا عبر النيجر والجزائر، والذي سيمكن من تصدير 30 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً، مع المساهمة في تنمية الاقتصادات المحلية.
كما أبرز المقال الدور الذي تلعبه شركة “سونلغاز” في دعم الاندماج الطاقوي عبر اتفاقيات تعاون مع نظام تبادل الطاقة الكهربائية لغرب إفريقيا، إلى جانب مذكرة تفاهم مع الهيئة التنظيمية للكهرباء التابعة للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا. وترمي هذه المبادرات إلى إنشاء سوق إقليمية للكهرباء تُعتبر شرطاً أساسياً للتصنيع وتعزيز القدرة التنافسية للاقتصادات الإفريقية.
ولفت المقال أيضاً إلى مشروع الوصلة المحورية للألياف البصرية عبر الصحراء، الذي يربط الجزائر بدول عدة منها النيجر ونيجيريا وتشاد ومالي وموريتانيا، بهدف تعزيز الاتصال والتنمية الرقمية للقارة. كما أُشير إلى إنشاء الوكالة الجزائرية للتعاون الدولي من أجل التضامن والتنمية، المجهزة بصندوق قيمته مليار دولار مخصص لتمويل مشاريع تنموية في عدد من الدول الإفريقية.
وفي جانب آخر، أبرز النص أن الجزائر من أوائل الدول التي انضمت إلى منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية (زليكاف)، حيث رفعت كل الحواجز الجمركية داخل هذا الفضاء الذي يضم 1.4 مليار نسمة، ليُعتبر أكبر منطقة تبادل حر في العالم منذ إنشاء منظمة التجارة العالمية. وقد جسدت الجزائر هذا الالتزام عملياً بانضمامها إلى مبادرة التجارة الموجهة في ديسمبر 2023، لتكون من أوائل الدول التي طبقت هذا الإطار التجريبي لتعزيز المبادلات البينية دون عوائق.
كما شدد المقال على أن الجزائر تضع خبرتها تحت تصرف الدول الإفريقية في مجال تكوين الكفاءات، خاصة في قطاعات النفط والغاز، إلى جانب العمل على تعزيز شبكة النقل الجوي عبر توسيع رحلات الخطوط الجوية الجزائرية وربطها بعواصم القارة، وإقامة شراكات مع شركات طيران إفريقية أخرى.
واختتم المقال بالتأكيد على أن جميع هذه المبادرات تجسد ثبات السياسة الجزائرية في جعل الاندماج القاري ركناً استراتيجياً ومسؤولية تاريخية. وبفضل رصيدها النضالي وثقلها الاقتصادي، تعتزم الجزائر مواصلة أداء دور محوري لبناء إفريقيا موحدة، صامدة، وذات سيادة، قادرة على فرض صوتها في الحوكمة العالمية.
