في تطور غير مسبوق على الساحة المغربية، تحولت منصة تلغرام منذ مطلع صيف 2024 إلى ساحة مواجهة مفتوحة بين قراصنة معلومات وأقوى جهاز أمني في المملكة المغربية، حيث برز اسمر “جبروت”، وهو هاكر مجهول الهوية يصفه متابعون بـ”جوليان أسانج المغرب”. هذا الأخير يواصل منذ أشهر نشر وثائق حساسة تتعلق بفساد مسؤولين كبار في جهاز المخابرات الداخلية (DGST)، ومسؤولين حكوميين وقضائيين، بل وحتى شخصيات مقربة من القصر الملكي.
و في سلسلة من الرسائل، اتهم “جبروت” قادة أمنيين كبار في المغرب باستغلال مناصبهم لتحقيق ثروات طائلة، في تناقض صارخ مع رواتبهم الرسمية. ومن بين أبرز الأسماء التي استهدفتها التسريبات:
- عبد الرحيم حامدين، مدير فرع الـDGST في الدار البيضاء، الذي كُشف أنه اقتنى فيلا فاخرة بحي كاليفورنيا الراقي.
- محمد راجي، الملقب بـ”سيد بيغاسوس”، المسؤول عن التجسس عبر البرنامج الإسرائيلي الشهير، والذي ارتبط اسمه بعقود مشبوهة وصفقات بملايين الدراهم.
من “سيد بيغاسوس” إلى متهم بالثراء غير المشروع
تسريبات أوت 2024 كانت الأكثر إثارة، إذ تضمنت قائمة تضم عشرة من كبار مسؤولي المخابرات المغربية مع بياناتهم الشخصية وأرقام حساباتهم البنكية. وفي مقدمتهم محمد راجي الذي تحول من تقني بسيط في وزارة الاتصالات المغربية خلال ثمانينيات القرن الماضي، إلى أحد أقوى الرجال في الاستخبارات المغربية. الوثائق المسربة كشفت شراءه، رفقة شريكه رشيد حسني، منطقة صناعية كاملة في بني ملال نهاية 2023 بقيمة قاربت 30 مليون درهم، رغم أن راتبه الشهري لا يتجاوز 25 ألف درهم.
لم تتوقف التسريبات عند الجهاز الأمني. ففي جوان 2024، وُضع وزير العدل المغربي عبد اللطيف وهبي في قلب العاصفة، بعد أن كشف “جبروت” حصوله على قرض بنكي بـ11 مليون درهم سنة 2020 لشراء عقار فاخر في الرباط، ثم تسديده بشكل مثير للشبهات في أقل من أربع سنوات. وبعدها بأيام، نشر الهاكر وثائق تفيد بأنه نقل ملكية العقار لزوجته في 12 أغسطس 2024، مع التلاعب بقيمة التصريح الضريبي لتجنب دفع الضرائب.
كما طالت التسريبات أسماء بارزة مثل ناصر بوريطة، وزير الخارجية المغربي، الذي وُجهت إليه اتهامات بعقد صفقات عقارية وهمية خلال الفترة 2022-2023، إضافة إلى فاطمة الزهراء المنصوري وزيرة الإسكان، التي وُصفت بأنها تملك ثروة عقارية ضخمة تُقدر بمليارات الدراهم.
و أخطر ما كشفته تسريبات الهكر “جبروت” هو أن رقابة جهاز المخابرات لم تقتصر على المعارضين والسياسيين، بل طالت قيادات الجيش وأفراداً من الأسرة الملكية نفسها، حيث وردت أسماء مقربة من الملك محمد السادس ضمن قائمة الهواتف التي استُهدفت ببرامج تجسس. هذه النقطة اعتُبرت سابقة خطيرة، إذ تُظهر أن الجهاز فقد السيطرة على أهدافه، وأن بعض قياداته تورطت في تسريب أو بيع معلومات حساسة لقوى خارجية.
هوية “جبروت” الغامضة
وقد تعددت النظريات حول هوية الهاكر. مصادر مغربية رجّحت أن يكون ضابطاً سابقاً في الاستخبارات فرّ إلى أوروبا بعد خلافات عائلية وأمنية مع قيادات DGST، لينتقم بكشف أسرار الدولة. فيما ذهب آخرون إلى أن التسريبات قد تكون جزءاً من صراع أجنحة داخل المخابرات، أو حتى عملية خارجية تشارك فيها أجهزة استخبارات غربية أو جزائرية.
في ظل هذه العاصفة، يعيش جهاز الاستخبارات المغربي أسوأ أيامه، بعدما كان يُعرف بأنه “العين التي لا تنام”. فالهاكر المجهول نجح في تحويل صورته من جهاز يخيف الجميع، إلى مؤسسة مرتبكة وعاجزة حتى عن حماية أسرارها الداخلية. المعارضة المغربية طالبت بفتح لجنة برلمانية للتحقيق، بينما ردت الحكومة بدعاوى قضائية ضد صحفيين ومدونين، وهو ما عزز صورة الإفلات من العقاب.
و في آخر رسائله بتاريخ الخميس 29 أوت 2024، تعهّد “جبروت” بمزيد من التسريبات، قائلاً إن “ما كُشف حتى الآن ليس سوى البداية”، ومتوعداً بمفاجآت قد تطال أسماء أكبر في هرم السلطة المغربية.
المصدر: elindependiente



















