كشفت تصريحات اللواء عادل عزب، مدير مكافحة الإرهاب الأسبق بقطاع الأمن الوطني المصري، تفاصيل جديدة حول نشاط مؤسسة “مرسي للديمقراطية” المسجلة في لندن، وما يرتبط بها من تمويلات مثيرة للجدل. القضية برزت إلى السطح بعد اعتراف الناشط الإخواني العائد من الخارج، علي حسين مهدي، بتلقيه راتبًا شهريًا قدره عشرة آلاف دولار من المؤسسة مقابل تنفيذ مهام إعلامية محددة، وفق ما بثه في سلسلة فيديوهات متداولة.
وتشير المعطيات إلى أن المؤسسة، التي يديرها الإعلامي الإخواني محمد جمال هلال، قدّمت مبالغ مالية كبيرة لعدد من الإعلاميين البارزين مثل معتز مطر (15 ألف دولار شهريًا) ومحمد ناصر (10 آلاف دولار شهريًا)، إضافة إلى ما وُصف بـ”كشوف رواتب” شملت صحفيين آخرين داخل مصر، يُشتبه في ارتباطهم بأجندة التنظيم الدولي للإخوان.
وثائق بريطانية مسربة، صدرت تحت مسمى Statement of Compliance بموجب قانون الشركات لعام 2006، كشفت عن أسماء المؤسسين الرسميين للمؤسسة، بينهم أحمد محمد مرسي (نجل الرئيس الراحل محمد مرسي)، محمد جمال هلال، مها عزام نصيبية، وأسامة خليفة. صور متداولة لمجلس الأمناء أظهرت كذلك مشاركة شخصيات دينية وأكاديمية وإعلامية، ما يعكس أن نشاط المؤسسة لا يقتصر على البعد الإعلامي فحسب، بل يمتد إلى أبعاد سياسية وفكرية.
ما يلفت الانتباه – بحسب اللواء عزب – أن هذه المؤسسة تُعد أول كيان يحمل اسم أحد قيادات جماعة الإخوان المسلمين بشكل رسمي، وهو تحول استراتيجي في نهج التنظيم الذي تجنّب تاريخيًا ربط مؤسساته بالأفراد. ويبدو أن إطلاق اسم “مرسي” يعكس محاولة استثمار رمزيته السياسية وتكريس صورة “الاستشهاد السياسي” في خطاب الجماعة.
لكن البعد الأخطر يتعلق بدور بريطانيا. فبينما تُصنف القاهرة جماعة الإخوان كتنظيم إرهابي منذ عام 2013، ظلت لندن مساحة آمنة لعدد من قادتها ونشاطاتها، بما في ذلك احتضان مؤسسة “مرسي”. هذا ما اعتبرته أوساط مصرية شكلًا من أشكال “الحماية غير المباشرة” لجماعة محظورة، خصوصًا مع تقارير حول تغاضي بعض الأجهزة البريطانية عن أنشطة المؤسسة خلال عملها في لندن.
تتزامن هذه التطورات مع قرار بريطانيا المفاجئ بإغلاق سفارتها في القاهرة بدعوى “تدهور الظروف الأمنية”. عزب تساءل إن كان القرار معزولًا عن قضية المؤسسة، معتبرًا أنه قد يرتبط بحسابات أمنية أوسع. وزاد من الغموض التباين في خطاب لندن: ففي الوقت الذي أعلنت فيه الإغلاق، أصدرت السفارة البريطانية بيانًا رسميًا أشادت فيه بالدور المصري في إيصال المساعدات إلى غزة، ما يعكس ارتباكًا في مقاربة بريطانيا للعلاقة مع القاهرة.
في خضم هذا الجدل، برزت أنباء عن نية المؤسسة نقل مقرها من لندن إلى أستراليا. البعض قرأ الخطوة كمسعى بريطاني للتنصل من الملف، فيما اعتبرها آخرون عملية “إعادة تدوير جغرافي” تُبقي الشبكة نشطة بعيدًا عن الرقابة المباشرة.
تطرح هذه القضية تساؤلات أوسع حول مستقبل العلاقات المصرية البريطانية: هل يتم تجاوز الملف عبر سياسة “عفا الله عما سلف” حفاظًا على التعاون الدبلوماسي، أم تذهب القاهرة نحو كشف أوسع للوقائع ومحاسبة الأطراف المتورطة في التمويل والتغطية على نشاط المؤسسة؟
في كلتا الحالتين، تبقى القضية معقدة، تتداخل فيها ملفات السياسة والإعلام والأمن والاستخبارات، وتعكس الصراع الخفي بين رؤية مصر التي تعتبر نشاط المؤسسة تهديدًا مباشرًا لأمنها، ومقاربة بريطانية تحاول موازنة اعتبارات النفوذ الإقليمي مع الحفاظ على قنوات مفتوحة مع القاهرة.
المصدر: RT
