تشير أحدث استطلاعات “بنك إنجلترا” إلى أن الاقتصاد البريطاني يمر بمرحلة دقيقة، إذ خفّضت الشركات وظائفها خلال الصيف الماضي بأسرع وتيرة منذ عام 2021، فيما سُجّلت أسوأ توقعات للتوظيف منذ جائحة كورونا. هذا التراجع لم يكن مجرد انعكاس لظرف دوري، بل نتيجة مباشرة لأول ميزانية قدمتها وزيرة الخزانة راشيل ريفز، التي رفعت مساهمات التأمين الوطني بقيمة (25 مليار جنيه إسترليني) وزادت الحد الأدنى للأجور.
تظهر المؤشرات أن نصف الشركات المشاركة في الاستطلاع اتجهت لتقليص عدد موظفيها للتكيّف مع الأعباء الجديدة، فيما خفضت 20% الأجور ورفعت 34% الأسعار لتعويض التكاليف. هذه الديناميكية تولّد حلقة معقدة: ضغط على القدرة الشرائية، وتباطؤ في الاستهلاك، وتضخم متجدد يقيّد قدرة “بنك إنجلترا” على خفض أسعار الفائدة، رغم القلق المتزايد من ضعف سوق العمل.
القراءة الأوسع تكشف عن معضلة مزدوجة. فمن جهة، تسعى الحكومة إلى تقليص العجز المالي الذي يقدّره خبراء الاقتصاد بحوالي (20 مليار جنيه إسترليني)، ومن جهة أخرى، تتحمل الشركات والعمال تبعات هذا الإصلاح عبر فقدان الوظائف وتراجع هوامش الربح. وبذلك، تتحول السياسة المالية إلى عامل كبح للنمو بدل أن تكون محفزًا له.
ولا يمكن تجاهل تراكم الأزمات السابقة: تداعيات “بريكست”، آثار الجائحة، وأزمة الطاقة المرتبطة بالحرب في أوكرانيا، وكلها ساهمت في هشاشة بيئة الأعمال. هذه الخلفية تجعل أي صدمة مالية إضافية أكثر تأثيرًا على قرارات الاستثمار والتوظيف.
إذا استمرت موجة تقليص الوظائف، قد يجد الاقتصاد البريطاني نفسه أمام تراجع في الاستهلاك المحلي وفقدان الزخم التنموي، ما سيضع “بنك إنجلترا” في موقف أصعب عند تحديد أولويات سياسته النقدية. وهنا يبرز السؤال المحوري: هل ستؤدي إصلاحات “حزب العمال” إلى استقرار طويل الأمد أم أنها ستدفع البلاد نحو مرحلة جديدة من التوتر الاقتصادي والاجتماعي؟
المصدر: وكالات
