رفعت جمهورية مالي دعوى قضائية أمام محكمة العدل الدولية ضد الجزائر، متهمة إياها بـ”العدوان”، على خلفية حادثة سقوط طائرة مسيّرة تابعة لسلاح الجو المالي أواخر مارس الماضي في الحدود المشتركة.
و كانت وزارة الدفاع الجزائرية وفي بيان رسمي، قد أعلنت أن وحدة من الدفاع الجوي تمكنت ليلة 31 مارس، حوالي منتصف الليل، من رصد طائرة استطلاع مسيّرة مسلحة، اخترقت الأجواء الجزائرية لمسافة كيلومترين قرب مدينة تين زواتين الحدودية في أقصى الجنوب.
وأكد البيان الجزائري أن الطائرة تم اعتراضها وإسقاطها فورًا، بعد التأكد من طابعها العسكري وعدم حصولها على أي إذن مسبق للعبور. وأوضحت الوزارة أن القرار جاء حمايةً لسيادة البلاد وسلامة مجالها الجوي، خصوصًا وأن المنطقة الحدودية تعرف نشاطًا متزايدًا لجماعات مسلحة عابرة للصحراء.
وفي إجراء تصعيدي لاحق، قررت الحكومة الجزائرية غلق مجالها الجوي أمام الطيران المالي ابتداء من 7 أفريل 2025، مبرّرة القرار بالاختراقات “المتكررة” للطائرات المالية. وجاء في البيان: “نظرا للاختراق المتكرر من طرف دولة مالي لمجالنا الجوي، قررت الحكومة الجزائرية غلق هذا الأخير في وجه الملاحة الجوية الآتية من دولة مالي أو المتوجهة إليها”.
في المقابل، أصدرت القوات المسلحة الماليّة بيانها الرسمي في 1 أبريل 2025، وأُعلن خلاله أنّ الطائرة المسيّرة المالية تحطّمت أثناء مهمة روتينية لمراقبة الإقليم بالقرب من منطقة تين زاوتين الحدودية، دون أن يُذكر أي إسقاط من قِبل الجزائر. كما أكّدت القوات أن الحادث لم يخلّف أضرارًا بشرية أو مادية، وهو ما يرجّح أن يكون حادثًا تقنيًا وليس نتيجة اعتداء خارجي
واتهمت حكومة مالي الجزائر بمحاولة عرقلة عملياتها العسكرية ضد الجماعات المسلحة في شمال البلاد، معتبرة الحادثة “انتهاكًا لمبدأ عدم استخدام القوة”.
المتابع لتطور الخطاب الرسمي في باماكو يلاحظ وجود تناقض واضح؛ ففي بيانها الأول الصادر يوم 1 أفريل 2025، أكدت القوات المسلحة المالية أن الطائرة المسيّرة “تحطّمت” لأسباب تقنية أثناء مهمة روتينية لمراقبة الإقليم، نافية أي تدخل خارجي. غير أن مالي سرعان ما غيّرت موقفها لتتجه نحو التصعيد القانوني، عبر رفع دعوى أمام محكمة العدل الدولية واتهام الجزائر بالعدوان وإسقاط الطائرة عمدًا. هذا التحول يعكس ارتباكًا في الموقف المالي، ويطرح تساؤلات حول خلفياته السياسية، خاصة وأن الجزائر التزمت منذ البداية برواية ثابتة مدعومة بتفاصيل تقنية دقيقة عن طبيعة الاختراق وكيفية اعتراض الطائرة.
في حوار مع جريدة الشعب، أشار الدكتور توفيق هامل، الباحث الجزائري في التاريخ العسكري ودراسات الدفاع، إلى أن الحادثة الأخيرة التي شهدت إسقاط طائرة بدون طيار اخترقت الأجواء الجزائرية تبرز أهمية الدفاع الجوي في حماية السيادة الوطنية. الدكتور هامل أكد أن هذا التصرف ليس مجرد رد فعل عسكري تقليدي، بل هو رسالة قوية تُظهر قدرة الجزائر على الرد بحزم في وجه أي تهديدات.
وقال هامل إن الطائرة تم إسقاطها على مسافة 1.6 كيلومتر من الحدود الجزائرية، مشيرًا إلى أن الجزائر تمتلك أنظمة دفاع متطورة قادرة على رصد الطائرات الحديثة على مسافات بعيدة. وأضاف أن العملية تُظهر مستوى عالٍ من الجاهزية العسكرية، حيث تم اتخاذ القرار بسرعة وبدقة، الأمر الذي يعكس تفوقًا تكنولوجيًا واستراتيجيًا للجيش الجزائري.



















