شهدت الجزائر، منذ استقلالها عام 1962، تنظيم سلسلة من التظاهرات الإفريقية البارزة التي عكست مكانتها كجسر استراتيجي بين القارة ومحيطها الدولي، وتحوّلها إلى منصة للتلاقي السياسي والثقافي والاقتصادي والرياضي. فمن القمم السياسية الأولى الداعمة لحركات التحرر، إلى المهرجانات الثقافية التي احتفت بالهوية الإفريقية، مرورًا بالمواعيد الرياضية القارية، وصولًا إلى الطبعة الرابعة لمعرض التجارة البينية الإفريقية (IATF 2025)، ظلّت الجزائر فضاءً حيويًا لإبراز وحدة القارة وتعزيز التكامل بين شعوبها.
و من خلال هذه التظاهرات رسخت الجزائر انتماءها الإفريقي، ليس فقط عبر الخطاب السياسي، بل من خلال ترجمة هذا الانتماء عمليًا بتنظيم محطات كبرى في السياسة والثقافة والرياضة والاقتصاد. وهكذا تحولت إلى منصة بارزة للتلاقي الإفريقي، وفضاءٍ مفتوح لتجسيد مشاريع التضامن وتعزيز مسار الوحدة القارية
و كانت الجزائر في قلب المعادلة الإفريقية السياسية منذ بداياتها. فقد احتضنت القمة الإفريقية الأولى سنة 1968 التي عززت موقعها كعاصمة للثورات وحركات التحرر. وفي 1999 و2000 استضافت قمم إفريقية شكلت منعطفًا في مسار منظمة الوحدة الإفريقية والتحضير للاتحاد الإفريقي. كما لعبت دور الوسيط باستضافة اجتماعات حول الأزمات في مالي وليبيا، مما منحها صورة “الوسيط الإفريقي الموثوق”. ولا ننسى مؤتمر وزراء خارجية حركة عدم الانحياز عام 1973 بالجزائر العاصمة، الذي أعطى للقارة وزنًا أكبر على الساحة الدولية.
و إذا كانت الثقافة أحد أذرع الدبلوماسية الناعمة، فالجزائر وظفتها بذكاء. في 1969 نظمت أول مهرجان ثقافي إفريقي، وهو حدث أيقوني جمع فنانين ومثقفين من كل القارة، ليتحول إلى ما يشبه “وودستوك إفريقيا” من حيث الزخم والتأثير. وبعد أربعة عقود، أعادت الكرة في 2009 بمهرجان ثانٍ شارك فيه أكثر من خمسين دولة إفريقية، مكرّسة بذلك موقع الجزائر كفضاء ثقافي جامع.
كما شكلت المهرجانات السينمائية والموسيقية – مثل مهرجان وهران للفيلم العربي والإفريقي ومهرجان تيمقاد – جسورًا متواصلة مع الفضاء الإفريقي.
الرياضة بدورها كانت رافعة لتعزيز الانتماء الإفريقي. حيث احتضنت الجزائر الألعاب الإفريقية 1978، ثم كأس أمم إفريقيا 1990 التي توجت بها على أرضها، ما منحها رمزية مضاعفة. كما نظمت تظاهرات كبرى مثل ألعاب البحر الأبيض المتوسط 1975 و2022 بوهران، التي عرفت مشاركة إفريقية وازنة.
الأحدث كان بطولة إفريقيا للاعبين المحليين (الشان) 2023، التي اعتُبرت الأكبر في تاريخ المنافسة من حيث الحضور والتنظيم.
لم تغب البصمة الاقتصادية عن المسار. فإلى جانب المعرض الدولي للجزائر (منذ 1964)، الذي كان فضاءً دائمًا للتبادل التجاري مع إفريقيا، احتضنت الجزائر القمة الإفريقية للاستثمار 2002، إضافة إلى تنظيم المعرض الإفريقي للتجارة البينية (IATF 2025) بالجزائر العاصمة، وهو من أكبر الفعاليات الاقتصادية الإفريقية.
كما استضافت منتديات أعمال جزائرية-إفريقية عديدة في مجالات الطاقة، الاتصالات، والبنية التحتية، مما يرسخ دورها كمحرك للتكامل القاري.
و تظهر هذه التظاهرات أن الجزائر و منذ استقلالها لم تكن مجرد بلد مضيف، بل فاعل أساسي في صياغة الوعي الإفريقي الجماعي، سواء عبر السياسة، الثقافة، الرياضة أو الاقتصاد. فمنذ الاستقلال، كانت كل مناسبة بمثابة إعلان متجدد: الجزائر جزء لا يتجزأ من إفريقيا، وقلبها النابض في كثير من اللحظات التاريخية.
ويعكس هذا الزخم الاقتصادي المكانة المتزايدة لإفريقيا كقطب صاعد في التجارة العالمية، حيث يشكّل معرض IATF 2025 فرصة حقيقية للدول الإفريقية، وفي مقدمتها الجزائر، لتعزيز حضورها في الأسواق الدولية وتوسيع شراكاتها الاستراتيجية. ومع حجم التبادلات المتوقع، يؤكد المعرض دوره كجسر للتكامل الاقتصادي ومختبر لآفاق تعاون أوسع بين إفريقيا والعالم.
