شبكة “سي أن أن” أفادت، اليوم الخميس، بأن الحكومة البريطانية قررت إقالة السفير في واشنطن بيتر ماندلسون، بعد تفجر فضيحة علاقته برجل الأعمال الأميركي جيفري إبستين المدان في قضايا جنسية.
قرار إقالة ة السفير البريطاني في واشنطن بيتر ماندلسون جاء ليشكل أزمة سياسية لرئيس الوزراء كير ستارمر، الذي كان قد دافع عنه بشدة في البرلمان يوم الأربعاء، مؤكداً أنه يحظى “بثقته الكاملة”.
التطورات تسارعت منذ أن كشف مشرّعون أميركيون مطلع الأسبوع عن “كتاب عيد ميلاد” يتضمن ملاحظة بخط يد ماندلسون وصف فيها إبستين بأنه “أفضل صديق لي”. وفي وقت لاحق، نشرت وكالة “بلومبرغ” رسائل بريد إلكتروني بين الطرفين، أعرب فيها السفير المقال عن دعمه لصديقه وعرض مناقشة قضيته المثيرة في فلوريدا عام 2008 مع شخصيات سياسية مؤثرة.
وقد فجّرت القضية جدلاً واسعاً داخل بريطانيا، حيث وجهت انتقادات لرئيس الوزراء ستارمر بشأن معايير حكمه السياسي في اختيار ماندلسون، رغم أن علاقته القديمة مع إبستين كانت معروفة في أوساط بريطانية عدة.
و أثارت الوثائق التي كُشف عنها حول شبكة جيفري إبستين جدلاً عالميًا واسعًا، بعدما ضمّت أسماء شخصيات سياسية وملكية وفنية بارزة. فقد ورد اسم الأمير أندرو، دوق يورك، بشكل متكرر في شهادات ضحايا، وهو ما دفعه إلى التراجع عن واجباته الرسمية في العائلة المالكة البريطانية.
و بدأت الشبهات تطارده مطلع الألفية، لكنه تمكن من الإفلات بفضل ثروته وعلاقاته مع شخصيات سياسية ومالية نافذة، إلى أن أُدين عام 2008 في فلوريدا بتهمة استغلال قاصر وحصل على صفقة قضائية مثيرة للجدل سمحت له بقضاء عقوبة مخففة لا تتجاوز 13 شهرًا مع امتيازات استثنائية.
غير أن القضية عادت إلى الواجهة بقوة في جوان 2019 حين أعيد اعتقال جيفري إبستين بتهم أشد تتعلق بالاتجار الجنسي بالقاصرات والتآمر، وهي تهم كانت ستضعه خلف القضبان لعقود طويلة. وبعد أسابيع قليلة من سجنه، عُثر على إبستين ميتًا داخل زنزانته في مانهاتن في ظروف وُصفت رسميًا بأنها انتحار شنقًا، لكنها ظلت محاطة بجدل واسع وشبهات قوية بالنظر إلى حساسية الأسماء المرتبطة به.
وقد تكرر ذكر اسم الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون، حيث أشارت وثائق إلى لقاءات أو حضور مناسبات. من جهة أخرى، ظهر اسم المحامي الشهير ألان ديرشوفيتز وسط اتهامات مباشرة، غير أنه دافع بقوة عن نفسه معتبراً ما ورد “ادعاءات كاذبة”.
ولم تقتصر القائمة على السياسيين، إذ شملت أيضًا رجال أعمال مثل الملياردير بيل غايتس و ليون بلاك، إلى جانب أسماء من الوسط الفني كالممثل ليوناردو ديكابريو والممثلة كاميلا دياز، غير أن وجودهم ارتبط غالبًا بإشارات عابرة أو سياقات اجتماعية دون اتهامات جنائية. وتكشف هذه القائمة أن دائرة إبستين كانت واسعة التأثير، وأن تداعياتها ما تزال تهدد سمعة العديد من الشخصيات العالمية.
و تعد قضية جيفري إبستين من أبرز الفضائح الجنائية التي هزّت الولايات المتحدة والعالم خلال العقدين الأخيرين، إذ ارتبط اسم رجل الأعمال الأميركي بنشاطات غير قانونية تتعلق بالاتجار الجنسي بالقاصرات واستغلال نفوذه لتجنيد فتيات مراهقات لممارسة الجنس داخل منازله الفاخرة في نيويورك وفلوريدا و”جزيرة ابستين” في الكاريبي.
جزيرة ابستين “ليتل سانت جيمس” (Little Saint James)
الجزيرة التي اشتهرت باسم “جزيرة إبستين” هي في الأصل جزيرة ليتل سانت جيمس، إحدى جزر العذراء الأميركية في البحر الكاريبي، تبلغ مساحتها حوالي 70 فدانًا. اقتناها جيفري إبستين عام 1998 مقابل نحو 7.95 مليون دولار، وحوّلها إلى مجمع حصري يضم فيلا رئيسية فاخرة، مهبط طائرات مروحية، مسابح، وعدة مبانٍ أثارت جدلاً، أبرزها بناء يشبه “المعبد الأزرق” بزخارف غريبة.
و كانت جزيرة ابستين مغلقة على العامة وتخضع لحراسة مشددة، ما جعلها مكانًا غامضًا ومحاطًا بالشائعات. إبستين استعملها كمنتجع شخصي لاستضافة سياسيين ورجال أعمال ومشاهير عالميين، لكنها لاحقًا أصبحت موصوفة إعلاميًا بـ”جزيرة البيدوفيل”، بعدما كشفت التحقيقات أن العديد من جرائم الاستغلال الجنسي بحق قاصرات جرت داخلها.
بعد اعتقال إبستين في جوان 2019، داهمت السلطات الأميركية الجزيرة وصادرت أجهزة كمبيوتر ووثائق حساسة بحثًا عن أدلة. شهادات الضحايا أكدت أن الجزيرة كانت مركزًا رئيسيًا لشبكة الاتجار الجنسي التي بناها إبستين على مدى سنوات، وأنها استُخدمت كملاذ آمن بعيد عن الرقابة لاستدراج فتيات قاصرات.
عقب وفاة إبستين المريبة في أوت 2019 من نفس العام، تحولت الجزيرة إلى رمز عالمي لتشابك النفوذ والمال والفساد الأخلاقي. وفي 2023، تم بيع ليتل سانت جيمس مع الجزيرة المجاورة غريت سانت جيمس مقابل 60 مليون دولار لمؤسسة محلية تعتزم تحويلهما إلى منتجع سياحي بيئي، لكن سمعتها المظلمة ما تزال تثير الجدل وتجذب اهتمام الإعلام والباحثين حتى اليوم.



















