تيك توك تحت مجهر البرلمان الفرنسي…”أسوأ شبكة اجتماعية تهاجم الشباب”

في فرنسا، لم يعد تطبيق “تيك توك” مجرد وسيلة ترفيهية يتابع عبرها المراهقون مقاطع قصيرة، بل تحوّل إلى معضلة تشغل أعلى مؤسسات الدولة.

مؤخرا أنهت لجنة برلمانية استقصائية مؤخرًا تحقيقًا دام أشهرًا، خلصت فيه إلى أن المنصة الصينية “تمثل أخطر تهديد للشباب الفرنسي”، ووصفتها صراحة بأنها “أسوأ شبكة اجتماعية تهاجم الشباب”.

التحقيق الذي أطلق في مارس 2025 جاء استجابة لدعوات عائلات فقدت أبناءها أو عانت من مضاعفات نفسية خطيرة بسبب ما وُصف بـ”الجرعات السامة” من المحتوى الخطر على تيك توك. اللجنة وثّقت حالات واقعية، بينها انتحار فتاة تبلغ 13 عامًا في مدينة ليون بعد مشاركتها في تحدٍ خطير، إلى جانب أكثر من 10 حالات مشابهة خلال العامين الماضيين، التقرير لم يتوقف عند التشخيص، بل أوصى بإجراءات جذرية:

و تُظهر بيانات وزارة الصحة الفرنسية، بناءً على استطلاع وطني شمل 50 ألف شاب أن  32بالمائة من المراهقين بين 11 و15 عامًا يقضون أكثر من 3 ساعات يوميًا على تيك توك، و 20 بالمائة منهم صرّحوا بأنهم واجهوا محتوى يحفّز على الانتحار أو اضطرابات الأكل، كما أكدت البيانات أن تيك توك هو المنصة الأكثر شعبية بين القُصَّر، متقدمًا على إنستغرام وسناب شات، ما يجعله الأكثر تأثيرًا في تشكيل هوياتهم وقيمهم.

فرنسا بدأت التحرك منذ جوان 2023 بسنّ قانون يُلزم المنصات بالحصول على موافقة أبوية لأي مستخدم دون سن الخامسة عشرة، مع تمكين الأسر من تعليق حسابات أبنائهم القُصَّر عند الطلب، هذا القانون أجبر الشركات على تطوير أدوات للتحقق من السنّ وتقييد زمن الاستخدام.

وفي جوان 2025، ضغطت السلطات على تيك توك لحظر وسم #SkinnyTok، الذي ارتبط بتشجيع اضطرابات الأكل. إلا أن اللجنة ترى أن هذه التدابير “جزئية”، وتطالب بتوسيعها إلى مستوى أشمل يضمن حماية نفسية واجتماعية للأطفال.

من جهتها ذهبت وزيرة الشؤون الرقمية الفرنسية كلارا شاباز إلى أبعد من الإطار الوطني، داعية إلى فرض حظر أوروبي موحد لمن هم دون 15 عامًا، محذّرة من أن “الاختلاف في القوانين بين الدول يجعل الحماية غير فعالة”. المفوضية الأوروبية بدورها فتحت تحقيقًا رسميًا مع تيك توك بموجب قانون الخدمات الرقمية (DSA)، لبحث مدى التزامه بحماية القُصَّر والحد من المحتوى الضار والإعلانات الموجهة.

خارج أوروبا، تتعامل الولايات المتحدة مع الملف بصرامة أكبر، ففي أبريل 2024، مرّر الكونغرس قانونًا قد يفضي إلى حظر تيك توك كليًا إذا لم يتم بيع حصصه المملوكة لشركة “بايت دانس” الصينية. بريطانيا أيضًا فرضت غرامات على المنصة وصلت إلى (12.7 مليون جنيه إسترليني) بسبب انتهاك حقوق الأطفال في الخصوصية.

القرارات الصارمة تلقى ترحيبًا واسعًا بين أولياء الأمور، الذين يرون أن الخطر لم يعد افتراضيًا بل واقعيًا يهدد حياة أبنائهم، في المقابل، يحذر خبراء اجتماعيون من أن الحظر التام قد يدفع المراهقين إلى منصات أقل شهرة وأكثر خطورة، بعيدًا عن أي رقابة.

الخبير النفسي الفرنسي جان ميشيل دوفور يعتبر أن “المنع وحده ليس حلًا، بل يجب تعزيز التربية الرقمية داخل المدارس والأسر، وتطوير أدوات تكنولوجية تساعد المراهقين على التوازن بدل الانغماس”.

وما بين دعوات الحظر الكلي والتحذيرات من نتائجه العكسية، تقف فرنسا أمام مفترق طرق. هل تمضي في سنّ قوانين رادعة تجعل من تيك توك “منطقة محظورة” على القُصَّر، أم تبحث عن حلول وسط تحمي الأطفال دون أن تحرمهم من فضاء التواصل الرقمي؟

يبقى المؤكد أن تيك توك لم يعد مجرد منصة فيديو، بل أصبح ساحة مواجهة بين السياسة والتكنولوجيا، بين جيل يعيش حياته الرقمية بلا قيود، ودولة تسعى إلى حماية مستقبل أبنائها من “الخطر الأكثر إغراءً” في العالم الافتراضي.

المصدر: رويترز + فرنس 24

Exit mobile version