في إطار التعديل الحكومي الأخير الذي أجراه الرئيس عبد المجيد تبون، برزت خطوة غير مسبوقة في هيكلة التسيير السياسي والإداري للبلاد، تمثلت في استحداث منصب وزير للعاصمة الجزائر وتعيين محمد عبد النور رابحي على رأسه، مع احتفاظه بمهامه كوالي. هذه الخطوة تعكس رغبة واضحة في منح العاصمة وضعًا استثنائيًا يتماشى مع ثقلها السياسي والاقتصادي والدبلوماسي، وتشير إلى تحول مهم في إدارة شؤونها المعقدة.
محمد عبد النور رابحي، الذي برز كأحد أبرز الولاة في الجزائر، اشتهر بمتابعته المباشرة للمشاريع التنموية الكبرى داخل العاصمة، خصوصًا في مجالات البنى التحتية والنقل الحضري وإعادة تأهيل الفضاءات العمومية. كما أطلق عدة مخططات لتحسين المظهر الحضري والتقليل من الازدحام المروري، ما جعله شخصية بارزة في التسيير المحلي ومؤهلة لتولي مسؤولية العاصمة في هذه المرحلة الحساسة.
و لطالما شكّلت الجزائر العاصمة مركز الثقل السياسي للبلاد؛ فهي مقر رئاسة الجمهورية والحكومة والبرلمان، وتحتضن معظم البعثات الدبلوماسية، إضافة إلى كونها المحرك الاقتصادي الأكبر. لكن هذه المكانة جعلتها تواجه تحديات متشابكة تشمل الاكتظاظ السكاني، النقل، السكن، الأمن، وتسيير المرافق العمومية، وهي ملفات تتطلب معالجة وطنية شاملة أكثر من كونها محلية.
من المعتاد أن تُدار الولايات من طرف والٍ يخضع لإشراف وزارة الداخلية، لكن منح العاصمة وزيرًا خاصًا يرفع مستواها إلى وصاية حكومية مباشرة، ويمنحها صلاحيات أوسع لاتخاذ قرارات استراتيجية. هذه الخطوة تحمل أيضًا دلالات سياسية، باعتبارها تعبيرًا عن رغبة الدولة في إحكام الرقابة على العاصمة، خاصة أنها مسرح التحركات الاجتماعية ومركز القرار الوطني.
لا تختلف التجربة الجزائرية كثيرًا عن نماذج أخرى، مثل باريس التي تُسير عبر محافظ ذي صلاحيات واسعة، أو واشنطن التي تخضع لنظام خاص يوازن بين المحلي والفيدرالي. وهو ما يعكس توجهًا عالميًا في التعامل مع العواصم الكبرى ككيانات إدارية ذات خصوصية.
يبقى السؤال الأساسي مطروحًا: هل سينجح هذا التغيير في حل الإشكالات المتراكمة منذ عقود داخل العاصمة، أم أنه سيظل مجرد إعادة هيكلة إدارية دون انعكاسات ملموسة على الحياة اليومية للمواطنين؟ الجواب سيتحدد بمدى قدرة الوزير الجديد على تحويل القرارات إلى نتائج واقعية يشعر بها سكان الجزائر العاصمة.
