شهدت الجزائر في السنوات الأخيرة طفرة نوعية في مجال توسيع البُنية التحتية للاتصالات وتعميم الوصول إلى الإنترنت، بمردود واضح على مستوى القارة الأفريقية. وفق أحدث الإحصاءات لعام 2025، بلغ عدد مستخدمي الإنترنت في الجزائر أكثر من 36 مليون شخص، ما يعادل نسبة انتشار فاقت 77 % من السكان، مما يجعلها من بين أكبر أسواق الإنترنت في إفريقيا.
و تصدرت الجزائر قائمة الدول الإفريقية من حيث السرعة القصوى التجارية المعلنة للأنترنت الثابت بتقنية الألياف البصرية (FTTH/B)، بفضل العروض الأخيرة التي أطلقتها مؤسسة “اتصالات الجزائر” تحت تسمية “Idoom Fibre”. وبلغت السرعة القصوى لهذه العروض (1.5 جيغابت/ثانية)، ما يمنح البلاد مركزًا رياديًا على مستوى القارة في هذا المجال.
ويبدو من المعطيات المنشورة على منصات متخصصة مثل MEA Tech Watch وGSMA أن الجزائر قد تجاوزت عدة دول كانت تعتبر مرجعية في شبكات الألياف البصرية على غرار جنوب إفريقيا، التي توفر شركاتها (Vumatel وRain وOpenserve) سرعات تصل إلى ما بين 1 و2 جيغابت/ثانية، لكن دون تعميم تجاري شامل.
هذا و أعلنت المؤسسة العمومية الجزائرية للاتصالات “اتصالات الجزائر” شهر جويلية 2025 أن 2.2 مليون منزل موصول بالألياف البصرية في الجزائر ما يمثل أكثر من نصف مشتركي الإنترنت الثابت لديها أصبحوا موصولين بتقنية الألياف البصرية إلى المنزل (FTTH).
و حركت الجزائر مؤشر التنمية في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات صعودًا، حيث قفزت 15 مرتبة في مؤشر الاتحاد الدولي للاتصالات (IDI) لتحتل المرتبة 74 عالميًا في 2025، متقدمة على المتوسطات الإقليمية والقارية.
وسجلت الدولة 86.1 نقطة في هذا المؤشر، أعلى من المتوسط العالمي البالغ 78، ومن متوسط إفريقيا (56.1) والمنطقة العربية (77.6).
من الناحية التقنية، أصبح الإنترنت المحمول في الجزائر يشكل ما يقارب 65 % من حركة البيانات، مدعومًا بانتشار واسع لتقنيات الـ 4G وسهولة الوصول.
أما السرعة فقد شهدت قفزة كبيرة، إذ تضاعفت سرعة الاتصال عبر الجوال من حوالي 11 ميغابت في الثانية في 2023 إلى نحو 21 ميغابت في 2024.
وتشير هذه المعطيات إلى دخول الجزائر مرحلة جديدة من التحول الرقمي، مدفوعةً باستثمارات متزايدة في البنية التحتية للأنترنت، مما قد يعزز من جودة الخدمة الرقمية ويواكب الاستخدامات الحديثة في مجالات البث عالي الدقة، الألعاب الإلكترونية، وتنزيل الملفات الكبيرة.
هذا التحول الكبير يكتسي بعدًا رمزيًا أيضًا، بالنظر إلى أن الجزائر كانت تصنّف حتى وقت قريب في ذيل الترتيب العالمي في مجال سرعة الإنترنت. ففي النصف الأول من عام 2012، وضعت دراسة أعدتها مؤسسة “نت إنديكس” (NetIndex) الجزائر في المرتبة 175 عالميًا (من أصل أكثر من 190 دولة) بسرعة لا تتجاوز 0.97 ميغابيت/ثانية، والمرتبة 19 إفريقيًا، متقدمة فقط على زامبيا والسودان.
هذا وكانت الحكومة الجزائرية شهر جوان 2025، قد خُصصت اجتماعا لدراسة خطة استراتيجية لتعزيز شبكة الكابلات البحرية التابعة لمجموعة اتصالات الجزائر.
و أعلنت شركة اتصالات الجزائر عن مشروع مرتقب لإنشاء كابل بحري جديد يربط الجزائر بإيطاليا، في خطوة من شأنها دعم الربط الرقمي وتعزيز البنية التحتية للاتصالات في البلاد. الإعلان جاء إثر توقيع مذكرة تفاهم، اليوم الأربعاء في روما، مع شركة الاتصالات الإيطالية، وذلك بالتزامن مع زيارة رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون إلى إيطاليا.
وتشمل الاتفاقية مجالات متعددة، من بينها تبادل الخبرات في الاتصالات والتكنولوجيا الحديثة، إلى جانب إمكانية تنفيذ مشاريع مشتركة مستقبلًا. وتنص المذكرة أيضًا على إقامة “نقطة تواجد جديدة (POP)” لاتصالات الجزائر في أوروبا، ما يعزز حضورها التقني على الساحة الدولية.
وللاشارة تعد شبكة الكابلات البحرية أحد المفاصل الاستراتيجية للبنية التحتية الرقمية في الجزائر، حيث تضمن الربط الدولي بشبكة الإنترنت وتعزز من سيادة البلاد الرقمية. وتمتلك الجزائر حاليًا أربعة كابلات بحرية رئيسية فعّالة، من أبرزها كابل Orval/Alval الذي يربط الجزائر العاصمة ووهران بمدينة فالنسيا الإسبانية، بطاقة تبلغ 40 تيرابيت في الثانية، وهو أحدث الكابلات التي دخلت الخدمة سنة 2020. بالإضافة إلى كابلات Alpal-2 وSeaMeWe-4، وكابل Medex الذي يربط عنابة بالشبكات العالمية. هذه المنظومة، رغم تعدديتها، لا تزال تعتمد على مسارات تقليدية تمرّ عبر أوروبا، ما يجعل من تنويعها أولوية لضمان الأمن السيبراني والتدفق المستقر.
كما أعربت الحكومة عن نيتها للمرحلة المقبلة لتوسيع تغطية الألياف البصرية في جميع الأحياء بحلول 2026، مع خطة لإيقاف العمل بخطوط النحاس بحلول 2027.


















