شهدت القاهرة تتويج الفيلم القصير “زهرة” للمخرج الجزائري إبراهيم دندان بالجائزة الكبرى (المرتبة الأولى) في ختام فعاليات مهرجان بردية السينمائي الدولي، الذي جرت وقائعه بين 9 و15 سبتمبر 2025. ويعد هذا الفوز محطة بارزة للسينما المستقلة الجزائرية، التي تثبت قدرتها على المنافسة والابتكار رغم قلة الإمكانيات.
فيلم “زهرة”، الذي كتب المخرج بنفسه سيناريوه، يقدم في 15 دقيقة رحلة وجودية عميقة لطفلة صغيرة تنفتح على الحياة بطرح أسئلة كبرى حول الموت والحياة، بعد فقدان والدتها في سن مبكرة. تعيش “زهرة” مع والدها وجدتها، فيما يظل حضور الأم الغائبة هاجسًا يرافقها، يدفعها إلى مواجهة محيطها الاجتماعي وأسئلتها التي غالبًا ما تُقابل بعدم الاكتراث.
اختار المخرج فضاءً واقعيًا في إحدى مناطق الجزائر، حيث بيت بسيط وساحة واسعة تحيط بها الأشجار، ليجعل منه مسرحًا لتأملات الطفلة وتجربتها الإنسانية. وبشاعرية كبيرة، رسم العمل حوارات قصيرة وعفوية بين الشخصيات، من والدها إلى معلمها في المدرسة القرآنية وصديقتها، في محاولة لفهم ما يشغل ذهن “زهرة” من أسئلة وجودية.
النزعة الرومانسية لدى المخرج بدت واضحة في استلهامه من طفولته الخاصة وتجربته الذاتية، مستعرضًا الهوة بين عوالم الكبار والصغار، وكيف يمكن للجسر الإبداعي أن يحرر الأذهان من العقد التي تراكمها الحياة. رمزية الفيلم تعززت أيضًا من خلال مشاهد غرس “زهرة” للنباتات وسقيها، كفعل ولادة وفهم لمعنى الاستمرارية والأمل.
بوسائل تقنية محدودة، اعتمد دندان على كاميرا واحدة وإضاءة طبيعية، لالتقاط لقطات واسعة ومتوسطة منحت الشخوص حضورًا متحررًا من الزمان والمكان. هذه البساطة التقنية أضافت جماليات مريحة وصدقًا بصريًا منح الفيلم قوة تأثير استثنائية.
غير أن تتويج “زهرة” يضع أيضًا الضوء على تحديات السينما المستقلة في المنطقة، وعلى رأسها البطالة الفنية التي تطال العديد من الموهوبين. ففي غياب دعم مؤسسي حقيقي وضعف سوق الإنتاج، يجد المخرجون الشباب أنفسهم أمام خيارين صعبين: الاستمرار في التجريب بموارد محدودة أو مغادرة الساحة نحو مجالات أخرى. ومن هنا تبرز أهمية المهرجانات المستقلة مثل بردية، التي تمنح متنفسًا للإبداع وتكسر عزلة الفنانين الشباب.
مهرجان بردية السينمائي، الذي أقيم في قلب القاهرة، جمع عروضًا لأفلام قصيرة من مختلف البلدان، وشكل فضاءً للحوار والنقد وتبادل التجارب. وبحسب منظميه، يهدف المهرجان إلى دعم الأصوات الجديدة ومنح منصة للسينما البديلة، بما يعكس قضايا إنسانية عابرة للحدود.
