الذكاء الاصطناعي والإعلام.. بين الخوف من الهيمنة وحتمية الشراكة

منذ أن ظهر تطبيق “تشات جي بي تي” أواخر عام 2022، دخلت غرف الأخبار في سباق محموم مع الزمن، البعض رأى فيه أداة مساعدة لا غنى عنها، فيما تخوّف آخرون من أن يتحول إلى “محرر آلي” يهدد الوجود المهني للصحفيين، وبين الرؤيتين، يطفو سؤال محوري: هل سيهيمن الذكاء الاصطناعي على الإعلام؟

كان قطاع الإعلام والصحافة من أوائل القطاعات التي سارعت إلى رقمنة أدواتها، سواء عبر النسخ الرقمية للصحف أو المنصات الإخبارية على الهواتف الذكية. هذه القابلية العالية للتكنولوجيا جعلتها أيضًا أكثر عرضة لتأثير الذكاء الاصطناعي. فاليوم يمكن لخوارزمية أن تكتب خبرًا رياضيًا في ثوانٍ، أو أن تُنتج تقريرًا ماليًا لا يختلف كثيرًا عن نص بشري.

استطلاع أوروبي واسع شمل محررين ومنتجين كشف أن 84 بالمائة  منهم يتوقعون استخدامًا عاليًا لأدوات الذكاء الاصطناعي في التحرير خلال السنوات المقبلة. لكن الصورة ليست وردية 91 بالمائة حذروا من أنه سيفتح الباب واسعًا أمام التضليل الإعلامي، و 97 بالمائة اعتبروا أن أخلاقيات المهنة ستكون المتضرر الأكبر إذا غاب الضبط والرقابة.

أما الخبراء فقد باتوا يقارنون الذكاء الاصطناعي بـ”الفأس” ويرونه أداة قد تُستخدم لبناء بيت أو لهدمه، ويؤكدون أنه قادر على تسهيل جمع البيانات والتحقق من صحتها، وربما إنتاج نصوص أولية تختصر وقت الصحفي. لكنه في المقابل قد يُغري المؤسسات بتقليص عدد الصحفيين، وتحويل المهنة إلى عملية تقنية بحتة بلا حس إنساني.

من جهتها تؤكد التقارير الدولية أن الذكاء الاصطناعي لن يظل مجرد مساعد، فبحلول نهاية العقد، سيكون حاضرًا في جميع مراحل الإنتاج الإعلامي على غرار، كتابة العناوين إلى تصميم الصور، و تحرير الأخبار إلى تقديم نشرات بلسان “مذيعين افتراضيين”. عندها قد يختلط على القارئ ما إذا كان يتعامل مع خبر من صحفي بشري أو مادة صاغتها خوارزمية.

مع توغّل تطبيقات الذكاء الاصطناعي في إنتاج المحتوى وسرعة وصوله إلى الجمهور الرقمي، تواجه الصحف الورقية خطرًا مزدوجًا، يشمل تراجع شغف القارئ الذي صار يكتفي بالنسخ الرقمية، وضغط إعلاني يتحوّل تدريجيًا نحو المنصات الرقمية المدعومة بخوارزميات الاستهداف.

هذا التحوّل لا يهدد مجرد نموذج توزيع ورقي؛ بل يضعف مصادر تمويل الصحف (الإعلانات والاشتراكات) ويعرض آلاف الوظائف في غرف التحرير والطباعة والتوزيع لخطر الاختفاء أو التخفيض. إذا لم تستطع المؤسسات الورقية التكيّف عبر دمج التكنولوجيا أو إعادة ابتكار مواردها المالية، فقد تصبح النتيجة اقتطاعًا واسعًا في التوظيف وتراجعًا في التنوع الإعلامي الذي توفره الصحافة المطبوعة.

ورغم ذلك، يبقى للصحفي البشري ما يميزه، خاصة القدرة على التقاط التفاصيل الإنسانية، والربط بين الأحداث، وصياغة الخبر بوصفه حدثًا فريدًا لا يُستنسخ. حتى أشد المتحمسين للذكاء الاصطناعي يعترفون بأن المهنة لن تختفي، لكنها ستُعاد صياغتها بالكامل، لتصبح شراكة بين الإنسان والآلة بدل صراع صفري على البقاء.

وبالتالي فإن الذكاء الاصطناعي الذي يقترب بسرعة من أن يصبح “شريكًا حتميًا” للإعلام، لا يمكن أن يكون بمقدوره الهيمنة المطلقة، لكن الخطر الحقيقي لا يكمن في وجوده، بل في كيفية استخدامه، وهل يكون وسيلة لتعزيز جودة المعلومة؟ أم مدخلًا لفوضى إعلامية تذيب الحدود بين الحقيقة والخيال؟

المصدر: الشرق الأوسط + الصحفي

Exit mobile version