من أقصى تخوم الصحراء الجزائرية، وتحديدًا في تندوف، ينبعث مشروع غار جبيلات كأحد أضخم الأوراش الاقتصادية في تاريخ البلاد. المنجم الذي اكتُشف في ستينيات القرن الماضي ظل لعقود مجرد حلم مؤجل، إلى أن عادت الجزائر سنة 2022 لإطلاقه رسميًا، واضعة إياه ضمن أولويات استراتيجيتها لتقليص التبعية للمحروقات وتنويع الاقتصاد.
تقدَّر احتياطات المنجم غار جبيلات بأكثر من 3.5 مليار طن من خام الحديد، بنسبة تركيز حديد تتراوح بين 57% و 58%، وهو ما يصنّفه من بين أكبر المناجم في إفريقيا والعالم. المرحلة الأولى من الاستغلال تستهدف إنتاج حوالي 12 مليون طن سنويًا، على أن ترتفع الكمية تدريجيًا لتبلغ ما بين 30 و50 مليون طن سنويًا في آفاق العقد المقبل.
نجاح المشروع يرتبط بإنجاز البنية التحتية اللازمة، وعلى رأسها خط السكة الحديدية الذي سيربط غار جبيلات بمدينة بشار ثم موانئ وهران وأرزيو والميناء المعدني الجديد بشرشال. المشروع السككي يمتد على أكثر من 1.000 كيلومتر، وتقدر كلفته بما يفوق 3 مليارات دولار، وهو استثمار استراتيجي سيمكن من تخفيض تكاليف النقل وفتح آفاق التصدير.
لا يمثل هذا الطريق مجرد خط نقل للخام المعدني، بل يُنظر إليه كـ شريان غربي للجزائر، إذ سيغير الخريطة الاقتصادية لمناطق الجنوب الغربي وربطها ديناميكيًا بالشمال. فالسكك الحديدية ستفتح المجال أمام استثمارات فلاحية وتجارية وصناعية على طول هذا المحور، مما يعزز التوازن الجهوي ويكسر العزلة عن مناطق طالما بقيت هامشية في الاقتصاد الوطني.
أبرمت الجزائر شراكات مع شركات صينية متخصصة لتطوير المشروع، حيث رُصدت استثمارات تفوق 2 مليار دولار في المرحلة الأولى تشمل التنقيب، التجهيزات الصناعية، وبناء وحدات تحويل أولية. هذه الشراكات تتيح الاستفادة من الخبرة الصينية في الصناعات المنجمية الثقيلة ونقل التكنولوجيا.
على الصعيد الاقتصادي، يتوقع أن يدر المشروع مداخيل تصل إلى 10 مليارات دولار سنويًا عند بلوغ الطاقة القصوى للإنتاج، بما يعادل أكثر من 25% من مداخيل المحروقات الحالية. كما سيوفر ما يقارب 12 ألف منصب شغل مباشر، إلى جانب عشرات آلاف المناصب غير المباشرة في قطاعات النقل، الخدمات، والصناعة التحويلية.
المشروع لن يقتصر على تصدير الخام، بل يتضمن مخططًا لإقامة مركبات صناعية لتحويل الحديد محليًا وإنتاج الفولاذ، بما يدعم الصناعات الوطنية مثل صناعة السيارات، السفن، ومواد البناء. كما أن الموقع الجغرافي للجزائر يمنحها ميزة تنافسية لتصدير الحديد ومشتقاته نحو أوروبا وإفريقيا الغربية، عبر موانئها على المتوسط والأطلسي.
يرمز غار جبيلات إلى التحول الاقتصادي الذي تسعى الجزائر لتحقيقه ضمن رؤية 2030، حيث يشكل قطاع المناجم قاطرة جديدة توازي قطاع الطاقة التقليدي. فالمشروع لا يقتصر على استغلال الثروة المعدنية، بل يُعد جزءًا من سياسة شاملة لإرساء اقتصاد قائم على تنويع الموارد وتعزيز السيادة الاقتصادية.



















