الفن الصخري في الصحراء العربية يكشف أسرار المجتمعات القديمة قبل 12 ألف عام

أظهرت دراسة أثرية جديدة أن مجتمعات الصيد والبحث عن القوت التي عاشت في شمال الجزيرة العربية قبل نحو 12 ألف سنة تركت إرثًا استثنائيًا يتمثل في نقوش صخرية ضخمة بالحجم الطبيعي، خاصة للإبل وحيوانات أخرى، على جروف ومنحدرات من الحجر الرملي في جنوب صحراء النفود بالسعودية.

وبحسب البحث المنشور في دورية نيتشر كوميونيكيشنز، فقد امتدت هذه النقوش على مساحة تقارب 30 كيلومترًا، وشملت نحو 60 لوحة تحمل أكثر من 130 صورة لحيوانات مختلفة، أبرزها الإبل، إلى جانب الغزلان والماعز والحمير البرية والثور البري. ويصل طول بعض النقوش إلى مترين وارتفاعها عن سطح الأرض إلى نحو 2.6 متر، فيما عُثر على صور أخرى محفورة في منحدرات شاهقة تصل إلى ارتفاع 39 مترًا.

توضح الباحثة ماريا جواجنين من جامعة سيدني ومعهد ماكس بلانك بألمانيا أن عملية النحت كانت محفوفة بالمخاطر، إذ اضطر الفنانون القدامى للوقوف على حواف ضيقة وخطرة دون رؤية شاملة لما ينحتونه. ومع ذلك، نجحوا في إنتاج أعمال دقيقة بالحجم الطبيعي.

ويشير الباحثون إلى أن هذا الفن الصخري كان وسيلة لتحديد مواقع مصادر المياه في بيئة صحراوية قاسية، إذ اعتمدت هذه المجتمعات على التنقل بين البحيرات الموسمية. اللافت أن معظم صور الإبل تجسد ذكورًا في موسم التزاوج، وهو ما يربط بين النقوش ومواسم الأمطار ووفرة المياه.

باستخدام تقنيات التأريخ الضوئي، قدّر العلماء أن هذه الأعمال أُنجزت بين 12800 و11400 سنة مضت، وهو ما يدل على أن الاستقرار البشري في البيئات الصحراوية بدأ أبكر مما كان يُعتقد. ويؤكد الباحث مايكل بيتراجليا من جامعة جريفيث أن هذه المجتمعات لم تكن منعزلة، إذ أظهرت الأدوات المكتشفة تشابهًا مع أخرى في بلاد الشام على بعد أكثر من 400 كيلومتر، لكنها احتفظت بهويتها الثقافية الخاصة.

ويرى الخبراء أن هذه النقوش لم تكن مجرد علامات دالة على المياه، بل ربما حملت أيضًا أبعادًا رمزية أو طقسية تعكس الصلة الوثيقة بين الإنسان القديم والطبيعة في واحدة من أكثر البيئات تحديًا على وجه الأرض.

المصدر: رويترز

Exit mobile version