الإسكندرية السينمائية…ذاكرة قاعات ضاعت وظل المهرجان شاهداً

منذ انطلاقه عام 1979، يحاول مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط أن يمنح المدينة بُعدها الثقافي الذي تستحقه. غير أن المفارقة المؤلمة أن هذا المهرجان، الذي يحتفي بالفن السابع، يُقام في مدينة كانت ذات يوم “هوليوود الشرق” من حيث عدد قاعات السينما وتنوع جمهورها، قبل أن تذوي تدريجياً حتى لم يبق منها إلا القليل.

دخلت السينما مصر عبر الإسكندرية في نوفمبر 1896، أي بعد أقل من عام على أول عرض للأخوين لوميير في باريس. ومنذ ذلك الحين، ازدهرت في المدينة قاعات العرض التي تجاوز عددها في خمسينيات القرن الماضي أكثر من 40 دار سينما، بعضها ارتبط بذاكرة سكان المدينة حتى اليوم.
من أشهر هذه القاعات:

في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، شهدت القاعات حركة جماهيرية كثيفة، وكان موسم الصيف في الإسكندرية بمثابة “مهرجان شعبي دائم”، حيث تمتلئ القاعات بأفلام جديدة تُعرض لأول مرة. لكن منذ الثمانينيات، ومع تحولات المشهد الاقتصادي والاجتماعي وصعود الفيديو المنزلي، بدأ التراجع.

تشير بعض الدراسات المحلية إلى أن عدد دور العرض في الإسكندرية انخفض من 40 قاعة في الخمسينيات إلى نحو 20 قاعة في التسعينيات، ثم إلى أقل من عشر قاعات فعّالة اليوم، أغلبها داخل المولات الحديثة مثل “سيتي سنتر” و”جرين بلازا”، فيما أُهملت القاعات التاريخية أو تحولت إلى محلات تجارية.

وسط هذا المشهد، يكتسب مهرجان الإسكندرية السينمائي رمزية خاصة. فهو ليس مجرد تظاهرة فنية تستضيف النجوم وتعرض الأفلام، بل يحمل مسؤولية إعادة وصل المدينة بتاريخها السينمائي. إذ لا يمكن فصل المهرجان عن “ذاكرة القاعات” التي صنعت ذائقة جيل كامل من السكندريين.

في الدورات السابقة، استخدم المهرجان قاعات مثل “سينما أمير” و”مكتبة الإسكندرية” لاحتضان فعالياته، وكأنها محاولة غير مباشرة لإحياء هذه الصلة. لكن السؤال يبقى: هل يكفي المهرجان وحده لتعويض غياب البنية التحتية القديمة؟ أم أن دوره يجب أن يتجاوز العروض المؤقتة إلى مشروع ثقافي يعيد الاعتبار لذاكرة القاعات المهجورة، وربما التفكير في ترميم بعضها كجزء من التراث السكندري؟

اليوم، فيما تحتفل الدورة 41 للمهرجان (2025) بمشاركة أفلام من أكثر من 25 دولة متوسطية، تبدو الإسكندرية وكأنها تقف بين زمنين: زمن كانت فيه “مدينة الشاشات” بامتياز، وزمن لم يبق لها فيه إلا مهرجان يحاول أن يعيد الاعتبار لتاريخها. وربما آن الأوان لأن يتحول المهرجان من مجرد حدث فني إلى مشروع ذاكرة حضرية، يربط السينما بالمدينة، ويعيد للأجيال الجديدة معرفة أن هذه الشاشات التي انطفأت يومًا كانت ذات يوم قلب الحياة الثقافية في الإسكندرية.

Exit mobile version