يمثل حرق صور الملك محمد السادس لأول مرة في تاريخ المغرب لحظة فارقة في المشهد السياسي المغربي، ومؤشرًا بالغ الدلالة على عمق الغضب الشعبي الذي تفجّر خلال الاحتجاجات الواسعة التي اجتاحت البلاد الأسبوع الماضي.
فالمشهد الذي كان حتى وقت قريب من المحرمات السياسية، كشف عن تحول جذري في وعي الشارع المغربي، خصوصًا بين فئة الشباب التي باتت أكثر جرأة في التعبير عن سخطها من الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية. ويُنظر إلى هذا الفعل الرمزي على أنه صرخة فقدان ثقة في الطبقة الحاكمة، ومؤشر على تصدّع العلاقة التقليدية بين المؤسسة الملكية والشعب، في ظل شعور متزايد بأن وعود الإصلاح فقدت صلتها بالواقع المعيشي.
تاريخيًا، لم تكن هذه اللحظات المعبرة عن الغضب الشعبي معزولة عن السياقات الإقليمية. فقد شهدت منطقة المشرق العربي منتصف القرن العشرين تحولات كبرى، تمثلت في سقوط الممالك في العراق ومصر واليمن وليبيا، وهي تحولات ارتبطت بأزمات داخلية وضغوط شعبية، لكنها أيضًا وُلدت من رحم الهزائم العربية أمام المشروع الصهيوني.
في العراق، أدى تصاعد التوترات الاجتماعية والسياسية إلى الإطاحة بالملك فيصل الثاني عام 1958 عبر انقلاب عسكري، فيما أنهت ثورة يوليو 1952 في مصر حكم الملك فاروق وأعلنت الجمهورية. وقد كانت نكبة فلسطين عام 1948 محطة فاصلة؛ إذ كشفت عجز الأنظمة الملكية عن الدفاع عن القضية الفلسطينية، فاهتزت شرعيتها واندلعت موجة من الوعي القومي والاحتجاج الشعبي في أكثر من بلد عربي.
امتدت تلك الموجة إلى اليمن، حيث أنهت ثورة 26 سبتمبر 1962 حكم الإمام محمد البدر، مدشنة قيام الجمهورية العربية اليمنية بدعم من مصر عبد الناصر، في تفاعل مباشر بين الداخل المأزوم والمد القومي العربي.
وفي ليبيا، أسقط العقيد معمر القذافي النظام الملكي في فاتح سبتمبر 1969، مستغلًا حالة الغضب الشعبي بعد نكسة 1967، ليفتح الباب أمام مرحلة جديدة من الجمهوريات العربية التي جاءت على أنقاض أنظمة ملكية وُصفت حينها بالعجز والارتهان للغرب.
هذه التحولات التاريخية تكشف نمطًا متكررًا في المنطقة العربية: حين تتفاقم الأزمات الداخلية وتتقاطع مع الإحباطات الإقليمية، يشتعل الشارع وتتهاوى الرموز.
وفي الحالة المغربية، تبدو حركة الجيل زد 212 امتدادًا لذلك المسار التاريخي؛ إذ عبّرت عن رفض واسع للفساد وتدهور قطاعات الصحة والتعليم، في وقت يتهم فيه المحتجون الحكومة بإعطاء الأولوية للمشاريع الرياضية والبنية التحتية على حساب المطالب الاجتماعية.
ويُضاف إلى ذلك الغضب الشعبي من التطبيع مع إسرائيل، الذي اعتبره كثيرون خضوعًا لإملاءات خارجية على حساب الإرادة الوطنية.
بهذا المعنى، يمكن النظر إلى الاحتجاجات المغربية الراهنة كحلقة جديدة في تاريخ التحولات السياسية العربية، حيث يتقاطع السخط الداخلي مع التحديات الإقليمية، تمامًا كما حدث عقب نكبة 1948، حين كانت خيبة الهزيمة بوابةً لسقوط ممالك وتغيير أنظمة، واليوم ربما تكون رمزية حرق الصور علامة على بداية مرحلة جديدة في علاقة الشعوب العربية بالسلطة.



















