طرّق مقال لموقع “الخبر” إلى الجدل السياسي الذي أثارته تصريحات الأمين العام لحزب التجمع الوطني الديمقراطي، منذر بودن، خلال تجمع شعبي بولاية جيجل، والتي اعتبر فيها أن “تهور بعض السياسيين في التسعينيات واستهزاء آخرين وتقاعسهم” سمح بتسلل أفكار متطرفة إلى البلاد، ما تسبب –بحسبه– في أزمة كبرى عانت منها الجزائر لسنوات.
وأوضح بودن، بنبرة حماسية، أن حزبه “يرفض كل الأفكار المتطرفة، حتى البسيطة منها، التي تحاول إعادة الجزائر إلى الوراء”، مضيفًا أن الجزائريين “متمسكون بهويتهم ويعرفون أنفسهم جيدًا”، داعيًا من وصفهم بـ“أصحاب تلك الأفكار” إلى الاحتفاظ بها “داخل حدود بلدانهم”. كما شدّد على أن التجمع الوطني الديمقراطي يدافع عن “مشروع وطني نابع من قيم المجتمع الجزائري”، في تلميح إلى أطراف سياسية إسلامية كانت قد تبنت في التسعينيات تصورات وبرامج مستوحاة من تنظيمات ذات طابع دولي.
هذه التصريحات أثارت ردود فعل متباينة، خاصة من داخل التيار الإسلامي، إذ جاء رد رئيس حركة مجتمع السلم، عبد العالي حساني شريف، بعد ساعات فقط، خلال دورة تكوينية لإطارات الحزب بولاية معسكر، حيث أكد أن “مشروع الحركة ليس مشروعًا خارجيًا ولا مستوردًا، بل مشروع وطني خالص يقوم على الثوابت والقيم”. واعتُبر حديثه ردًا غير مباشر على بودن، خصوصًا وأنه شدد على أن “حركة مجتمع السلم تسعى لبناء مناضل ومواطن صالح وأسرة ومجتمع صالحين، للوصول إلى حكومة صالحة”، في محاولة لتأكيد الطابع الوطني والإصلاحي للحركة.
وفي سياق متصل، تفاعل قيادي بارز من حركة مجتمع السلم مع تصريحات بودن عبر منشور على حسابه في “فايسبوك”، قال فيه: “إلى السياسي الذي دُفع إلى المشهد، حتى لا توصف بالمراهقة السياسية، أنصحك بتفادي هذه المعارك لأنها أعجزت سياسيين أكثر قوة ونفوذًا منك”، قبل أن يقوم لاحقًا بحذف المنشور، ما عُدّ إشارة إلى أن الحركة استشعرت أن تصريحات بودن موجّهة لها بشكل غير مباشر.
ويُفهم من مضمون ما ورد في المقال أن بودن استعاد لغة الخطاب السياسي التي كانت سائدة في التسعينيات، باستعماله مفردات تُحيل إلى تلك الحقبة التي طغت عليها المواجهة الإيديولوجية بين التيار الوطني والتيار الإسلامي. فقد هاجم ما وصفه بـ“المشاريع السياسية التي تتقاطع مع تنظيمات دولية كالإخوان المسلمين”، في محاولة منه لإعادة التذكير بمواقف حزبه التقليدية تجاه الإسلام السياسي.
من جهة أخرى، أعادت هذه التصريحات والردود المتبادلة إلى الأذهان الاستقطاب السياسي والإيديولوجي الذي طبع المشهد الجزائري منذ بداية التعددية الحزبية عام 1989، حيث ظلّ التياران الوطني والإسلامي في حالة توتر دائم حول قضايا الهوية والمرجعية السياسية. وقد تجدد هذا التوتر مؤخرًا في فضاءات التواصل الاجتماعي، من خلال تعليقات ومنشورات لمنتسبين للحزبين، أعادت إلى السطح مناكفات قديمة بين من يرفع شعار “الوطن أولًا” ومن يرى أن “الإصلاح ينطلق من المرجعية الدينية”.
وبذلك، يبدو أن تصريحات بودن وردّ حساني شريف، وإن لم تُذكر فيها الأسماء صراحة، قد فتحت بابًا جديدًا من السجال السياسي بين حزبين يمثلان جزءًا من ذاكرة التسعينيات، لكن بوجوه جديدة وأساليب خطاب مختلفة، في وقت يسعى فيه المشهد السياسي الجزائري إلى تجاوز تلك الحقبة نحو مرحلة أكثر هدوءًا واستقرارًا.



















