صباح كل يوم دراسي، تتكرر الصورة نفسها في المدارس الجزائرية: طلاب صغار يسيرون بخطى متثاقلة وظهور منحنية، محملين بمحافظ تكاد تعادل وزنهم، بعضهم يجر حقيبته على الأرض بصمت، وكأنهم يحملون أحلامهم الصغيرة تحت وطأة كتب لا تنتهي. ليست مجرد حقيبة، بل رمز لمعاناة تربوية متجددة: كيف تحولت أداة التعلم إلى عبء جسدي ونفسي يومي؟
قبل عقدين، كانت المحفظة المدرسية رفيقًا لطيفًا لا يرهق التلميذ، تكفيه دفاتر وكتب وعلبة أقلام ليوم كامل. اليوم، ومع تضخم المناهج وكثرة المواد، يخرج الطفل محملاً بكمّ هائل من الكتب والكراسات، في وقت لا تزال المدارس الجزائرية تعتمد الورق بدل الحلول الرقمية الحديثة. وإلى جانب ذلك، يسهم سوء تنظيم الجداول الدراسية في إجبار التلميذ على حمل معظم كتبه يوميًا، ما يزيد من الضغط الجسدي والنفسي.
آثار جسدية ونفسية مقلقة
توصي منظمة الصحة العالمية بعدم تجاوز وزن المحفظة 10% من وزن جسم الطفل، فيما تسمح بعض الدراسات بنسبة تصل إلى 15%. تجاوز هذه الحدود قد يؤدي إلى تشوهات في العمود الفقري وصعوبات في النمو العضلي. وتشير الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال إلى أن الأطفال الذين يحملون حقائب تفوق 20% من وزنهم معرضون لآلام الظهر ثلاث مرات أكثر من أقرانهم، بينما تؤكد الجمعية الدولية للعلاج الطبيعي أن 30 إلى 40% من الأطفال عالميًا يعانون من مشاكل متعلقة بوزن المحفظة، ما قد يتحول إلى مشاكل مزمنة إذا لم تُعالج مبكرًا.
من الناحية النفسية، ترى الأخصائية عبيد مروة أن المحفظة الثقيلة تسبب ضغطًا مستمرًا على التلميذ، يؤدي إلى آلام في الظهر والكتفين، ما يضعف التركيز ويؤثر على المزاج، وقد يفضي إلى نفور الطفل من المدرسة وانخفاض التحصيل الدراسي. أما المعلم بورنان عبد المالك، فيوضح أن الظاهرة انعكست في نفور التلاميذ من الدراسة، مللهم الطويل أثناء الحصص، انقطاع بعضهم عن الدراسة، تذمر أولياء الأمور، وضعف نتائج الطلاب، مما يستدعي إعادة النظر في حجم المناهج وعدد الكتب والكراسات المدرسية.
نحو مدرسة خفيفة على الأكتاف والعقول
الحل يتطلب تضافر جهود وزارة التربية، الأكاديميين، المعلمين، والأخصائيين النفسيين والاجتماعيين، لوضع رؤية إصلاحية تراعي الأبعاد الجسدية والنفسية للمتعلمين. مدرسة حديثة، خفيفة في محتواها وعميقة في أثرها، قادرة على موازنة حلم التعلم مع عبء الحقيبة، فالتعليم لا ينبغي أن يُثقل الظهر، بل يُنير العقل.
