شهدت المملكة العربية السعودية خلال السنوات الأخيرة تحوّلًا جذريًا في قطاع السينما، من بلدٍ كان يمنع العروض السينمائية لأكثر من 35 عامًا، إلى واحدة من أسرع الأسواق نموًا في العالم العربي، حيث باتت دور العرض جزءًا أصيلًا من المشهد الثقافي والترفيهي.
فبعد أن رُفع الحظر في عام 2018، انطلقت موجة من الإصلاحات والاستثمارات الضخمة في صناعة السينما، بإشراف من الهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع وبدعم من وزارة الثقافة وهيئة الأفلام، ما جعل السعودية اليوم تمتلك بنية تحتية قوية تضم 65 دار سينما تحتوي على 635 شاشة عرض موزعة على 20 مدينة، من الرياض وجدة إلى الدمام وتبوك وجازان. هذا النمو يعكس الرؤية الوطنية الطموحة لتوسيع القطاع الثقافي كأحد محركات رؤية السعودية 2030.
وترافق هذا التوسع مع ازدهار المشهد السينمائي في المملكة السعودية عبر تنظيم مهرجانات وملتقيات نوعية أبرزها:
- _ مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي في جدة، الذي أصبح منبرًا رئيسيًا للأفلام العربية والعالمية وفضاءً لدعم المواهب السعودية.
- _ مهرجان الرياض السينمائي الذي يجمع صنّاع الأفلام والنقاد والموزعين.
- _ ملتقى الأفلام السعودية الذي تنظمه هيئة الأفلام بالشراكة مع جمعية الثقافة والفنون بالدمام.
- هذه التظاهرات أسهمت في تكوين جيل جديد من المخرجين والممثلين، وأعادت تعريف الذائقة البصرية للجمهور المحلي.
من المحلية إلى الأوسكار
برزت السعودية أيضًا على الساحة العالمية من خلال أفلامها التي بدأت تجد طريقها إلى المهرجانات الدولية.
من بين هذه الأعمال فيلم “الهجرة” (The Journey) الذي تم ترشيحه رسميًا لتمثيل المملكة في سباق الأوسكار 2025 عن فئة “أفضل فيلم دولي”، وهو عمل ملحمي يمزج بين الدراما والتاريخ والأسطورة بروح عربية معاصرة، كما شاركت السعودية في مهرجانات “كان” و”فينيسيا” و”تورونتو” بأعمال لاقت إشادة نقدية واسعة.
وإلى جانب “الهجرة”، شهد عام 2025 طفرة في الإنتاج السينمائي المحلي مع أفلام مثل:
- “Hobal” الذي صُوّر في صحراء نيوم وشارك في مهرجان البحر الأحمر.
- “Unidentified” من إخراج هيفاء المنصور، وعُرض في مهرجان تورونتو.
- “Masameer Junior”، أول فيلم رسوم متحركة سعودي يُعرض على نتفليكس.
- “Desert Warrior”، إنتاج ضخم سعودي أميركي من بطولة أنتوني ماكي وبن كينغسلي، يمثل دخول السعودية مجال الإنتاج العالمي المشترك.
وأعلنت هيئة الترفيه بقيادة تركي آل الشيخ عن خمسة مشاريع كبرى تُنتج في الرياض بمعايير عالمية، منها فيلم تاريخي عن خالد بن الوليد، ما يعزز توجه المملكة لتصبح مركزًا إقليميًا لصناعة السينما.
ونظرا لازدياد عدد الشاشات، وتنامي المهرجانات، وارتفاع مستوى الإنتاج المحلي، تبدو السعودية اليوم أمام مرحلة جديدة عنوانها “السينما صناعة لا ترفيه فقط”.
فما بين دعم الدولة، وحماس الشباب، وانفتاح المجتمع، تتجه المملكة بخطى ثابتة نحو الريادة السينمائية العربية وربما العالمية.
