بين شتاء ستوكهولم الطويل وليالي أوسلو البيضاء، يعيش آلاف العرب تجربة صامتة مع الهوية: كيف يمكن الحفاظ على دفء الثقافة واللغة في مجتمعات باردة لا تعرف سوى النظام والانضباط؟ الجالية العربية في شمال أوروبا تكاد تكون أكثر هدوءًا وحضورًا في الظل مقارنة بجاليات الجنوب الأوروبي، لكنها تحمل قصص نجاح تُظهر الإبداع والتكيف.
منذ موجات الهجرة الأولى في سبعينات القرن الماضي، ثم موجة اللجوء السوري في العقد الأخير، تغيّر الوجه الديموغرافي والثقافي للإسكندنافيا. غير أن العرب لم يجدوا دومًا منابر إعلامية تبرز حضورهم أو تحمي سرديتهم، في ظل صحافة محلية تركز غالبًا على أرقام الوافدين لا على ملامحهم الإنسانية. كثيرون يصفون أنفسهم بأنهم “المنسيون في أقصى الأرض”، يعيشون اندماجًا هادئًا، لكنه مليء بالأسئلة حول الهوية والانتماء.
ويُقدّر المجموع الكلي للعرب المقيمين في الدول الإسكندنافية الأربعة – السويد، الدنمارك، النرويج، وفنلندا – بين 716,000 و750,000 شخص، ما يعكس وجود عرب مقيمين بشكل دائم أو مهاجرين حديثًا، مع تفاوت في التوزيع الجغرافي والجنسيات:
- السويد: نحو 543,350 شخصًا، من بينهم سوريون، عراقيون، لبنانيون، مغاربة، فلسطينيون، مصريون، تونسيون، جزائريون وسعوديون، يعيشون بشكل رئيسي في ستوكهولم، سودرتاليا، ومالمو.
- الدنمارك: حوالي 121,000 شخص، من العراق، لبنان، سوريا، فلسطين، والمغرب، معظمهم في كوبنهاغن، آرهوس، وجوتلاند.
- النرويج: نحو 36,000 شخص، مع التركيز في أوسلو، بيرغن، ودرامن.
- فنلندا: حوالي 16,000 شخص يعيشون في هلسنكي، إسبو، وتامبيري.
ورغم هذه الأرقام، لم يبرز حضور العرب الجمعي في الإعلام والثقافة المحلية، ما جعل الكثير منهم يشعرون بالغربة الثقافية، رغم مساهماتهم العلمية والفنية الواضحة. ومع ذلك، بدأت تظهر ملامح جيل جديد من العرب الإسكندنافيين بثقة وجرأة: فنانة فلسطينية ترسم الشتاء بعيون شرقية، كاتب جزائري يترجم الشعر العربي إلى السويدية، ومخرجة لبنانية توثق حكايات الشتات في كوبنهاغن. هذه النماذج تمثل الوجه الآخر للعرب في الشمال: أصوات تنسج جسورًا بين ثقافتين وتعيد تعريف معنى المواطنة في فضاء متعدد الهويات.
الاختلاف بين الاندماج في الشمال الإسكندنافي وأوروبا الغربية جوهري؛ ففي فرنسا وألمانيا، تدور النقاشات حول “الهوية الوطنية” وحدود العلمانية، بينما في السويد أو النرويج يُبنى الاندماج على الثقة والمساواة الاجتماعية، لكنه مشروط بالصمت الثقافي وعدم إبراز الاختلاف. العرب هناك يُقدّرون كأفراد منتجين، لكن حضورهم الجمعي ما زال ضعيفًا، ما يجعل الجالية خارج الصورة العامة رغم مساهماتهم العلمية والثقافية.
يشير الباحثون إلى أن التحدي الأكبر يكمن في التمثيل الثقافي. تحتاج الجالية العربية في إسكندنافيا إلى مؤسسات إعلامية وثقافية ناطقة بالعربية، قادرة على ربطهم بجذورهم وتعريف الرأي العام الإسكندنافي بتاريخهم وإبداعاتهم. فبدون خطاب ثقافي متوازن، يبقى الحوار ناقصًا، وتظل الجالية غريبة عن صورتها الحقيقية.
إن قصة العرب في إسكندنافيا ليست مجرد تجربة اغتراب جغرافي، بل رحلة إنسانية عميقة في البحث عن الذات. بين دفء الشرق وبرودة الشمال، يولد جيل جديد يعرف أن العيش بين ثقافتين ليس عيبًا، بل فرصة لتجسير العالمين معًا.
جدول لعدد العرب في الدول الإسكندنافية مع التركيب الجغرافي:
| الدولة | عدد العرب تقريبًا | أبرز الجنسيات | المدن الرئيسية |
|---|---|---|---|
| السويد 🇸🇪 | 543,350 | سوريا، العراق، لبنان، المغرب، فلسطين، مصر، تونس، الجزائر | ستوكهولم، سودرتاليا، مالمو |
| الدنمارك 🇩🇰 | 121,000 | العراق، لبنان، سوريا، فلسطين، المغرب | كوبنهاغن، آرهوس، جوتلاند |
| النرويج 🇳🇴 | 36,000 | العراق، سوريا، لبنان، فلسطين | أوسلو، بيرغن، درامن |
| فنلندا 🇫🇮 | 16,000 | العراق، سوريا، فلسطين | هلسنكي، إسبو، تامبيري |
المجموع الكلي التقريبي: 716,000 – 750,000 شخص


















