قد يظن البعض أن الاعتزال هو نهاية الحكاية، لكن لبعض الرياضيين يبدأ عنده فصلٌ جديد. من بين هؤلاء، يبرز اسم الهولندي آريين روبن، الذي غادر الملاعب بصفته أحد أسرع الأجنحة في تاريخ كرة القدم، ليعود بعد سنوات بصورة مختلفة تمامًا: عدّاء ماراثون يركض تحت المطر بشغفٍ جديد.
لم يكن التحول مجرد انتقال من رياضة إلى أخرى، بل إعادة تعريف للذات. فاللاعب الذي اعتاد الركض خلف الكرة صار يركض الآن خلف الإحساس بالحرية والانتصار على الزمن.
في سباق “التلال السبعة” بهولندا، قطع روبن مسافة 15 كيلومترًا في زمن قدره 55 دقيقة، بمعدل إيقاع مدهش بلغ 3:40 دقيقة لكل كيلومتر. إنجاز كهذا لا يُقاس بالأرقام فقط، بل بما يحمله من رمزية الإرادة والاستمرارية.
في سن الأربعين، واصل الدولي الهولندي السابق حضوره المميز في عالم الجري، فشارك في ماراثون روتردام مرتين متتاليتين، منهياً نسخة 2023 بزمن قدره ساعتان و58 دقيقة — رقمٌ يضعه ضمن فئة العدائين الجادّين، لا الهواة. وعند خط النهاية قال بصوتٍ أنهكه الجهد: «أنا منهك فعلًا، لكنني فعلتها… لم يكن الأمر ممتعًا، كان نزالًا حقيقيًا، والجمهور على الطريق أعانني كثيرًا».
في كل خطوة يخطوها روبن على الإسفلت، يبدو وكأنه يكتب امتدادًا جديدًا لسيرته الرياضية، لا في الملاعب هذه المرة، بل في فضاء أكثر صفاءً وصدقًا.
لقد تحوّل من لاعب يلهث خلف النتيجة إلى إنسانٍ يركض خلف المعنى، من جناحٍ في ملعبٍ مكتظ إلى عدّاءٍ وحيد تحت المطر، يُعيد اكتشاف ذاته كلما تسارعت نبضات قلبه.
تُذكّر تجربته بأن الرياضة ليست فقط تنافسًا أو شهرة، بل ثقافة حياة تتجاوز الجسد إلى الروح. إنها درسٌ في الصبر والانضباط، ورسالةٌ بأن الشغف لا يشيخ، بل يجد طريقه الجديد دائمًا، كما وجد روبن طريقه بين التلال المبللة بالمطر.



















