أبدى وزير الداخلية الفرنسي لوران نونيز موقفاً لافتاً من العلاقات المتوترة بين باريس والجزائر، مؤكداً أن سياسة «ليّ الأذرع» التي اتّبعتها سلطة سلفه لم تثمر نتائج ملموسة، ومشدّداً على ضرورة «تحرك» في العلاقات الأمنية بين البلدين.
و خلال مقابلة مع وسائل إعلام فرنسية، صرّح نونيز بأن الوضع الراهن، الذي يتمثّل في «غياب أي تبادل أمني مع الجزائر»، يشكل بالنسبة له كوزير داخلية «مشكلة كبيرة». وأشار إلى أن استئناف الحوار «على المستوى التقني‑الأمني والمعلوماتي» بات أمراً لا مفرّ منه.
وعند سؤاله عن الاتفاقية الفرنسية‑الجزائرية للـ 1968، المقترح من بعض البرلمانيين مراجعتها، أوضح نونيز أن «الاتفاق قائم، ويعمل»، وأن «مراجعته ليست مطروحة حالياً»، موضحاً أن التركيز الآن يجب أن يكون على استعادة التعاون، لا على التصعيد.
كما أقرّ بأن نسبة كبيرة من الأشخاص الموقوفين في مراكز التوقيف الإدارية في فرنسا هم من الجنسية الجزائرية وصلت إلى نحو 40 ٪ ما يعكس حجم العلاقة المعلقة بين البلدين في ملف الترحيل وإصدار موانع الإقامة. وفي هذا السياق، قال إن استئناف إصدار «تصاريح العبور القنصليّة» هو إحدى الخطوات الضرورية لإعادة التعاون.
إلا أن نونيز شدد على أن استئناف الحوار لا يعني تخلّياً عن صرامة السياسات الفرنسية في الهجرة، بل أن الحالة الأمنية هي التي تحتّم «بوغاً» في طريقة التعاطي مع الجزائر، بدلاً من المواجهة الخالصة التي رآها غير مجدية.
و يرى ملاحظون أن لوران نونيز، وزير الداخلية الفرنسي الحالي، قد اظهر موقفًا دبلوماسيًا مختلفًا نسبيًا عن سلفه Bruno Retailleau، حيث دعا إلى استئناف الحوار والتعاون مع الجزائر مع الحفاظ على صرامة السياسات الفرنسية في الهجرة. ويأتي هذا التوجه بعد فترة شهدت فيها الوزارة السابقة مواقف أكثر تشددًا وعدائية تجاه الجزائر، تضمنت تجميدًا شبه كامل للقنوات التقنية والأمنية بين البلدين، ما زاد من توتر العلاقات الثنائية وأثر على ملفات الترحيل والتأشيرات.
و كان البرلمان الفرنسي قد وافق يوم 30 أكتوبر 2025 على اقتراح رمزي يدعو إلى إلغاء اتفاقية 1968 مع الجزائر، وذلك بأغلبية ضئيلة بلغت صوتًا واحدًا. وتُنظّم هذه الاتفاقية العلاقات الخاصة بالهجرة والإقامة والحقوق الاجتماعية للجزائريين في فرنسا، وقد اعتُبرت منذ سنوات هدفًا للتيارات اليمينية المتطرفة، التي تنتقد ما وصفته بـ«الامتيازات» الممنوحة لمواطني الجزائر مقارنة بغيرهم من الأجانب. ويؤكد المراقبون أن القرار لا يشكّل قانونًا ملزمًا، بل يندرج في إطار الرسائل السياسية والضغط الرمزي على الحكومة الفرنسية، ما يفتح باب التوترات الدبلوماسية بين باريس والجزائر.
و تبدو تصريحات وزير الداخلية الفرنسي لوران نونيز ورسالة البرلمان الفرنسي الرمزية حول اتفاقية 1968 انعكاسًا لتوازن دقيق بين السياسة الداخلية والضغط الخارجي، حيث تجمع باريس بين الإبقاء على صرامة سياساتها في الهجرة والرغبة في إعادة فتح قنوات التعاون مع الجزائر.ما قد يشير الى أن المرحلة المقبلة قد تشهد حوارًا تدريجيًا يحاول معالجة التوترات دون الانجرار إلى مواجهة مباشرة، ما يعكس أن العلاقة الفرنسية‑الجزائرية ما زالت رهينة المواقف السياسية والاعتبارات الأمنية والديبلوماسية.
