نطرّق مقال، لوكالة الأنباء الجزائرية، إلى المسار البطولي للشهيد بن عبد المالك رمضان، أحد أبرز قادة الثورة الاستعمار الفرنسي في الجزائر، الذي جسّد منذ بدايات الكفاح المسلح قيم الإيمان، والالتزام، والتضحية في سبيل الوطن، ليصبح رمزًا خالدًا في سجل الأبطال الذين كتبوا تاريخ الجزائر بدمائهم الزكية.
وُلد الشهيد بن عبد المالك رمضان سنة 1928 بمدينة قسنطينة، وسط بيئة وطنية زرعت فيه روح الانتماء والوعي السياسي منذ الصغر. انخرط مبكرًا في حزب الشعب الجزائري ثم في حركة انتصار الحريات الديمقراطية، قبل أن يصبح عضوًا فاعلًا في المنظمة الخاصة التي مثّلت النواة الأولى للعمل المسلح ضد الاستعمار الفرنسي. وبفضل حنكته التنظيمية وشجاعته الميدانية، اختير ضمن مجموعة الـ22 التاريخية التي مهدت لاندلاع ثورة نوفمبر 1954، حيث تولّى قيادة منطقة الظهرة ونائب قائد منطقة الغرب الوهراني عشية اندلاع الثورة.
في ليلة الفاتح من نوفمبر 1954، قاد الشهيد سبع عمليات نوعية استهدفت مراكز الدرك الفرنسي ومواقع استراتيجية أخرى، ناشرًا الرعب في صفوف المحتل ومعلنًا بداية مرحلة جديدة من النضال المسلح. وقد استشهد في ميدان الشرف يوم 4 نوفمبر 1954 بالقرب من قرية أولاد سيدي العربي بشرق مستغانم، بعد أن دوّن اسمه في تاريخ الجزائر كأول قائد شهيد في معركة التحرير الوطني.
و يرى أساتذة التاريخ، على غرار الدكتور محمد بليل من جامعة “ابن خلدون” بتيارت، أن الشهيد بن عبد المالك رمضان يحظى بمكانة رفيعة في الذاكرة الجزائرية، إذ كان مهندس الهجمات الأولى على المواقع الفرنسية، وأحد أبرز المنظمين الميدانيين في الغرب الجزائري.
أما الباحث محمد بقدور، فيؤكد أن سرّ تميّزه يكمن في نضاله المبكر وخبرته التنظيمية وشجاعته الاستثنائية، إذ بدأ نشاطه السياسي وهو في الرابعة عشرة من عمره، مما أكسبه خبرة واسعة في العمل السري والعسكري.
وخلال فترة إقامته في فرنسا، تخصّص الشهيد في الفنون القتالية والتكتيك العسكري، وهو ما مكنه من تدريب المجاهدين الأوائل ووضع الخطط الميدانية الدقيقة، ليصبح الذراع اليمنى للقائد العربي بلمهيدي في المنطقة الوهرانية. وبعد استشهاده، شنّ الاحتلال الفرنسي حملة قمع واسعة، لكن الرمزية التي تركها جعلت الثورة تشتعل بقوة أكبر، حيث التفت الجماهير الشعبية حول جبهة وجيش التحرير الوطني مؤمنة بعدالة القضية واستمرارية النضال.
وبعد مرور أكثر من سبعة عقود على استشهاده، ما يزال اسم بن عبد المالك رمضان خالدًا في الوجدان الوطني، من خلال البلدية التي تحمل اسمه بولاية مستغانم، والمواقع التاريخية التي تخلّد مسيرته النضالية. وقد أنشأت السلطات المحلية متحفًا مخصصًا لذكراه قرب المخبأ الذي كان يستخدمه في جبال المنطقة، يضم مكتبة تاريخية وجناحًا خاصًا بالمجاهدين الأوائل، إضافة إلى المسلك التاريخي للشهيد الذي يربط بين المواقع التي شهدت بطولاته من حجاج إلى سيدي علي وسيدي لخضر ومستغانم.
إنّ الشهيد بن عبد المالك رمضان لم يكن مجرّد مناضل في صفوف الثورة، بل كان قائدًا استشرافيًا سبق زمنه، آمن بأن الحرية تُنتزع بالفعل والإيمان، لا بالشعارات. ترك بصمة من نور في ذاكرة الجزائر، لتبقى سيرته درسًا خالدًا للأجيال في معنى الوطنية الحقة والتضحية الصادقة من أجل جزائر حرّة كريمة.



















