أثار القرار الأممي الأخير القاضي بتمديد مهمة بعثة الأمم المتحدة في الصحراء الغربية واعترافه بصيغة الحكم الذاتي كخيار “واقعي وذي مصداقية” موجة نقاش داخلي في المغرب، تجاوزت أبعادها الدبلوماسية لتلامس الحساسيات الجهوية داخل البلاد.
فبينما اعتبرته الرباط انتصارًا لمسارها السياسي، بدأت أصوات محلية وإعلامية تتساءل عمّا إذا كان هذا المسار قد يفتح الباب أمام “عدوى سياسية” تمتد إلى الأقاليم الشمالية، وعلى رأسها الريف، التي لطالما عبّرت عن تطلعاتها التنموية والتمثيلية. ومع أن الخطاب الرسمي يؤكد خصوصية النموذج الصحراوي وارتباطه بسياق نزاع إقليمي محدّد، إلا أن تفاعل الرأي العام كشف عن قلق خفيّ من أن تتحول تجربة الصحراء إلى مرجع رمزي لمطالب جديدة بالحكم الذاتي داخل المملكة.
و يبدو من التغطية الإعلامية المغربية، أن قرار مجلس الأمن الأممي القاضي بتمديد مهمة بعثة “المينورسو” واعترافه بمبدأ الحكم الذاتي كحلّ محتمل للنزاع في الصحراء الغربية، لم يُستقبل فقط كنجاح دبلوماسي للمغرب، بل أيضًا كمنعطف يثير تساؤلات داخلية حساسة.
يشير النقاش الذي أعقب القرار إلى انقسامٍ واضح بين من يرى في الخطوة تتويجًا لمسار سيادي، ومن يخشى أن تتحول إلى سابقة سياسية يمكن أن تُستحضر مستقبلاً من أقاليم أخرى مثل الريف أو سوس أو حتى مناطق الشرق المغربي التي تحمل بدورها خصوصيات ثقافية وتاريخية مميزة.
و في منشور لموقع هسبريس المغربي – “هل يفتح القرار الأممي لتنزيل الحكم الذاتي بالصحراء باب المطالبة بالحكم الذاتي في أقاليم أخرى؟” – لم تكن مجرد سؤال تفاعلي، بل عكست توجسًا ضمنيًا من تداعيات هذا الاعتراف الأممي على البنية الجهوية والسياسية الداخلية في المغرب.
و من الواضح أن الخطاب الرسمي المغربي يسعى إلى ضبط هذا النقاش ضمن إطار “الجهوية المتقدمة” التي نص عليها دستور 2011، مؤكدًا أن الحكم الذاتي في الصحراء يظل حلاً استثنائيًا لنزاع محدد، لا قاعدةً قابلة للتعميم.
لكن في المقابل، تُظهر تفاعلات الرأي العام في المغرب مع قضية الحكم الذاتي أن النقاش تجاوز حدوده الدبلوماسية ليلامس الهامش الاجتماعي والسياسي داخل البلاد. فالكثير من الأصوات، خصوصًا في مناطق مثل الريف، ترى في تجربة الحكم الذاتي نموذجًا يمكن أن يُلهم مقاربة جديدة لتوسيع المشاركة السياسية وتعزيز التنمية المحلية، بعيدًا عن المركزية الإدارية التي ما تزال تُقيّد فعالية الجهوية بالمغرب.
و تشير هذه التفاعلات إلى أن القرار الأممي، وإن قدّم دعمًا سياسيًا للموقف المغربي دوليًا، فإنه قد يفتح في المقابل نقاشًا داخليًا جديدًا حول حدود السلطة الترابية، والعلاقة بين الدولة المركزية والأقاليم ذات الخصوصية التاريخية.
وفي هذا السياق، يبدو أن المغرب يقف أمام مفترق جديد: بين تثبيت الحكم الذاتي كأداة دبلوماسية لتسوية قضية الصحراء، وبين منع تحوله إلى نموذج مرجعي قد يُعيد إحياء مطالب جهوية نائمة.



















