فرنسا ودور الميسّر في لبنان: قراءة في التحركات الدبلوماسية

تطرق مقال أستاذة في العلاقات الدولية الدكتورة ليلى نقولا إلى التحركات الفرنسية في لبنان، مسلطة الضوء على دور فرنسا كميسّر للأزمة اللبنانية في ظل ضعف القدرة الأميركية على ممارسة ضغوط مباشرة. وأشارت نقولا إلى أن زيارة مبعوث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للبنان تهدف لاستكشاف إمكانية تحقيق اختراق سياسي، وربط أي خطة أمنية بالدعم الأوروبي للجيش اللبناني وإعادة الإعمار، بالتعاون مع المبادرات العربية، ولا سيما المصرية.

ويأتي التوقيت الفرنسي بعد فشل مهمة المبعوث الأميركي توم برّاك، الذي اعتمد سياسة الضغط الأقصى والتهديد المباشر للبنانيين، ما أبرز محدودية التأثير الأميركي في الملف اللبناني. وتشير نقولا إلى أن التحرك الفرنسي يسعى لاستثمار هذه الفرصة عبر مقاربة سياسية توافقية تشمل كل الأطراف، بما في ذلك “حزب الله”، مع توظيف شبكة العلاقات التقليدية لفرنسا في لبنان، بما يعزز قدرة باريس على لعب دور الميسّر.

توضح نقولا أن التحرك الفرنسي لا يمكن أن ينفصل كلياً عن الولايات المتحدة، إذ يتم التنسيق الاستراتيجي بين الطرفين رغم اختلاف الأساليب. فبينما تعتمد واشنطن على الضغط والعقوبات لإضعاف نفوذ حزب الله، تفضّل باريس الحوار والتوافق السياسي، مع العمل في المساحات الدبلوماسية التي يصعب على الأميركيين التدخل فيها مباشرة، ما يحقق تقاسم أدوار فعّال بين الطرفين.

ويشير التحليل إلى أن الأداة الأميركية، المتمثلة بالتهديد بعودة الحرب وفرض المهل الزمنية، أثبتت فاعلية محدودة، إذ تفتقر الدولة اللبنانية إلى القدرة على نزع سلاح حزب الله، ما يجعل تدخل فرنسا ضرورياً لضمان الاستقرار وتحريك الملف الأمني. ونتيجة لذلك، يمكن وصف العلاقة بين باريس وواشنطن في إدارة الملف اللبناني بأنها تنسيق استراتيجي مع اختلاف تكتيكي، حيث تمارس فرنسا دور الميسّر بما يخدم في النهاية الأهداف الأميركية ويحقق استقراراً نسبياً في لبنان.

تؤكد نقولا أن نجاح أي مبادرة فرنسية يعتمد على القدرة على الربط بين المبادرات الإقليمية والدعم الدولي، واستثمار الفرص التي توفرها التحركات العربية مثل المبادرة المصرية، لخلق رافعة أوروبية-دولية تدعم الحلول السياسية والأمنية في لبنان، بما يسهم في منع الانهيار الكامل وضمان استمرار الدولة واستقرار مؤسساتها.

Exit mobile version