يشير تقرير حديث لمكتب الزراعة الخارجي بوزارة الزراعة الأميركية “Grain and Feed Update – Algeria” إلى أن الجزائر رسخت موقعها ضمن أبرز المنتجين عربياً للشعير، مع حفاظها على مستوى إنتاج مستقر من القمح رغم الضغوط المناخية المتواصلة.
ويُظهر التقرير أن الجزائر تواصل توسيع مساحاتها المخصّصة للحبوب وتحسين أدوات المتابعة التقنية، في وقت تشهد فيه السوق المحلية تحوّلًا لافتًا نحو القمح الروسي الذي أصبح أحد المصادر الرئيسة لتغطية الطلب، ضمن سياسة تعتمد مزيجًا بين دعم الإنتاج المحلي وتنويع الشركاء الخارجيين لضمان الأمن الغذائي.
و تشير المعطيات الحديثة الصادرة عن وزارة الزراعة الأميركية إلى أن الجزائر عززت موقعها ضمن المنتجين الأساسيين للشعير عربيًا، بعد تسجيل إنتاج يقدَّر بـ(1.2 مليون طن) خلال موسم 2024/2025، وهو مستوى يضعها في المرتبة الثانية عربيًا إلى جانب سوريا، خلف العراق الذي بلغ إنتاجه (1.4 مليون طن).
التقرير قال أن الجزائر تحافظ على قاعدة إنتاجية معتبرة في انتاج الحبوب رغم الضغوط المناخية، ما سمح لها بالتموقع في المرتبة السادسة عشرة عالميًا، متقدمة على بلدان مغاربية مثل المغرب وتونس وليبيا.
وتشير الأرقام الواردة في تقرير “Grain and Feed Update – Algeria” إلى أن محصول الشعير يأتي ضمن سياق عام بلغ فيه إنتاج القمح نحو (3 ملايين طن). هذه التقديرات تعتمد على متابعة تقنية للموسم، وتُظهر أن الوضع العام قريب من موسمي 2023 و2024، حيث ظل تأثير الجفاف واضحًا في مناطق واسعة.
و اشار التقير أن التحفظ الأميركي تجاه الأرقام الرسمية مردّه غياب إعلان نهائي لتقديرات وزارة الفلاحة حول موسمي 2024/2025 و2023/2024، رغم أن تصريحات رسمية سابقة تحدثت عن محصول صيفي قد يصل إلى (4 ملايين طن). كما تَعتبر الوثيقة أن تصريحات متعلقة بتقليص واردات الحبوب تحتاج إلى قراءة أكثر حذرًا بالنظر إلى مؤشرات الأقمار الصناعية التي تظهر مستويات إنتاج متوسطة.
وفي الجانب المتعلق بالمساحات المزروعة، تشير التقديرات إلى نحو مليوني هكتار للقمح ومليون هكتار للشعير، مع توقعات باستمرار هذا المستوى في الموسم القادم. كما تكشف البيانات الرسمية عن توجه لرفع المساحات المتاحة للحبوب إلى أكثر من 3 ملايين هكتار، في إطار سياسة ترمي إلى تعزيز الإنتاج المحلي وتوسيع الزراعة التجارية جنوبًا، وإن كان التقرير يؤكد أن هذا التوسع لم يصل بعد إلى مستوى قادر على تغيير المعادلة الوطنية بشكل جوهري.
وتوضح الوثيقة أن أهداف تحقيق الاكتفاء الذاتي في القمح الصلب والشعير بحلول 2025 و2026 تظل مرتبطة بقدرة الموسم على تجاوز مؤشرات الجفاف الحالية. رطوبة التربة والأمطار المسجلة في بداية موسم 2025/2026 بقيت دون المعدل التاريخي في عدد من المناطق، خصوصًا في الغرب والهضاب العليا، ما يرفع احتمالات التأثير على المحصول إذا لم تتحسن التساقطات خلال بداية السنة.
وتظهر خريطة الإنتاج توزيعًا متباينًا جغرافيًا؛ إذ يتركز إنتاج القمح أساسًا في الشرق والغرب، بينما يتوزع الشعير بين الغرب والشرق والصحراء. هذا التوزيع يجعل أي نقص مطري في الغرب ينعكس مباشرة على محصول الشعير، خاصة أن جزءًا كبيرًا منه يذهب إلى سوق الأعلاف.
أما على مستوى التوريد الخارجي، فيحافظ القمح على موقعه كأكبر مادة غذائية مستوردة، مع تقدير واردات 2024/2025 بنحو (9 ملايين طن). كما يبرز التقرير توسعًا واضحًا في واردات الشعير، التي قد تصل إلى (700 ألف طن) هذا الموسم، مدفوعة بضعف المراعي. وتشير بيانات النصف الأول من الموسم إلى ارتفاع كبير في واردات الشعير مقارنة بالسنوات السابقة، ما يعكس حساسية السوق لتقلبات المناخ.
وتُظهر البيانات التجارية صعودًا لافتًا للقمح الروسي في السوق الجزائرية، حيث تجاوزت شحناته (1.6 مليون طن) في نصف موسم واحد، متقدمًا على الإمدادات الأوروبية. هذا التحول يرتبط بتعديل معايير الاستيراد منذ 2020، والذي سمح بدخول حبوب البحر الأسود بكميات أكبر.
وتقترح القراءة العامة للتقرير أن الجزائر تتحرك بين خطيْن متوازييْن: رفع الإنتاج المحلي عبر توسيع المساحات ودعم البذور، والاستمرار في تأمين السوق عبر واردات مدروسة. هذا النموذج يمنح هامش أمان للبلاد في مواجهة المواسم الجافة، ويعكس مقاربة تدريجية بدل القفز نحو استقلال كامل عن السوق العالمية في المدى القصير.
المصدر” tadamsanews


















