استقبل موقع “الصحفي” الفنان الجزائري بن شراب عمر في زيارة خاصة، حيث استعرض خلال حديثه مسيرته الفنية وتجربته في التمثيل والدوبلاج الكوميدي، إلى جانب آرائه حول المشهد الفني الجزائري وتطلعاته المستقبلية.
وقد اكتشف الجمهور الجزائري الفنان بن شراب عمر من خلال حصة “بلا حدود” الكوميدية، التي كانت تُبث على التلفزيون العمومي الجزائري خلال التسعينات، حيث قدم فيها فقرة الدوبلاج الكوميدي. هذه الفقرة سرعان ما تحوّلت إلى أيقونة في مدرسة الدوبلاج الجزائرية، وأسست لمرحلة جديدة من الترفيه الكوميدي المحلي، مميّزة بأسلوبها الفكاهي الفريد وقدرتها على مزج المحاكاة الساخرة مع روح الفن الجزائري.
و في حديثه الشيق مع موقع الصحفي “الصحفي ” أوضح بن شراب أن بداياته الفنية كانت نتيجة تفاعل الموهبة مع البيئة المحيطة، مستشهداً بكلمات المسرحي الفرنسي ميشيل غيتري: “إما أن تكون ممثلاً أو لا تكون”. وأكد أن اكتشاف الموهبة في الطفولة يحتاج إلى التهيئة والدعم، مشيراً إلى أن خجله في صغره ساعده على تنمية خياله، وهو عنصر أساسي في التمثيل. وأضاف أنه درس الكيمياء في الجامعة قبل أن يكرّس حياته للفن بشكل كامل، موضحاً أن الصقل الفني لا يقتصر على الموهبة وحدها بل يتطلب جهدًا مستمرًا وتجربة متنوعة.
وأكد بن شراب أيضاً أنه تأثر بكبار الفنانين العالميين في مجال الكوميديا، مثل شارلي شابلن، لويس دو فينس، لوريل وهاردي، وكل الأعمال الهزلية التي تركت بصمة في تجربته الفنية. وأوضح أن متابعة أنواع مختلفة من الأفلام الهزلية لم تحد من تجربته بأساليب متنوعة، بل ساهمت في صقل أدواته الفنية وتوسيع مداركه، ما جعله قادرًا على الإبداع لاحقاً في فن الدوبلاج الكوميدي الذي أصبح علامة مميزة في مسيرته.
كان بن شراب من أوائل الفنانين الذين أدخلوا الدوبلاج الكوميدي إلى الجزائر، حيث بدأ هذا المجال مع المخرج لبيض عبد الناصر (بايي)، مقدماً سكاتشات قصيرة وأول دبلجة لفيلم “علي بابا واللصوص الأربعون”. وأكد أن الدوبلاج لا يقتصر على الصوت فقط، بل يحتاج إلى روح الفنان وقدرته على المحاكاة الساخرة، ما يميّز هذا النوع عن الدبلجة التقليدية التي تهدف إلى ترجمة الحوار دون تغيير محتواه. وأوضح أن اختراعه أسلوب المحاكاة الساخرة أو “parodie” أضاف بعدًا جديدًا للمتلقي، من دون المساس بشخصيات الممثلين الأصليين، وذلك عبر إعادة بناء المشاهد بطريقة كوميدية تهدف للضحك مع الحفاظ على رسالة الفيلم الأساسية.
وبالنسبة لتطور الدوبلاج الكوميدي في الجزائر، أشار بن شراب إلى أن هذا الفن واجه تحديات كبيرة بعد سنوات نشاطه، وأن الجيل الجديد لم يحافظ على نفس الروح الإبداعية التي ابتدأ بها. وأكد أن العقلية الحالية لبعض المنتجين والمخرجين، إضافة إلى العراقيل الإدارية، تعيق تطور هذا المجال رغم إمكانياته الكبيرة. ورأى أن هذا النوع من الفن لا يزال خصبًا وقادرًا على إنتاج أعمال مميزة، لكنه يحتاج إلى إرادة حقيقية واهتمام من الجهات الرسمية والخاصة.
حول المشهد الفني الجزائري بشكل عام، وصف بن شراب الوضع بـ”المتشابك والمعقد”، مشيراً إلى أن الفن محصور في أطر محددة ولا يشمل كل المبدعين، ما يحد من حرية التعبير والإبداع. وأكد أن التجربة اليومية والملاحظة الدقيقة للواقع الجزائري توفر مواد غنية للفنان، مشبّهًا بذلك بالنجار الذي يضع تركيزه الكامل في عمله، كما يجب أن يفعل الممثل في تقديم أدواره وملاحظاته الفنية.
وفيما يخص المستقبل، تحدث بن شراب عن مشاريع فنية في طور التخطيط، معظمها في خياله، لكنه بدأ مؤخرًا بنشر محتوى على منصات فيسبوك وتيك توك، مؤكدًا أن التقييم المبني على المشاهدات وحده لا يكفي، وأن التدريب المسرحي والممارسة المستمرة هما الطريق الحقيقي للحفاظ على جودة الأداء. وأشار إلى أن الشباب بحاجة لممارسة المسرح والتكوين المستمر بدلاً من الاعتماد فقط على ظهورهم عبر المنصات الرقمية، معتبراً أن هذا التوجه يضمن لهم التمكن من أدوات الفن بشكل متقن ومستدام.
واختتم بن شراب عمر حديثه برسالة للفنانين الشباب، داعيًا إياهم إلى الاستفادة من خبرات الجيل السابق، والتزام التدريب والممارسة العملية، مع التركيز على تنمية مهارات الملاحظة والخيال، التي تشكل الأساس للإبداع الفني الحقيقي. وأكد أن تجربته في الدوبلاج الكوميدي هي نموذج على كيفية الجمع بين التكوين الكلاسيكي والإبداع الشخصي، مع ضرورة الحفاظ على القيم الفنية وتطويرها بما يتناسب مع تطورات العصر.
