منذ الاستقلال واجه سوق العمل في الجزائر عام 1962، مسارات معقدة تتداخل فيها المتغيرات الديموغرافية والاقتصادية والسياسات التنموية. على الرغم من الجهود المتكررة من الدولة لمعالجة قضايا البطالة، تظل العديد من التحديات قائمة، لا سيما بين الشباب والنساء، في ظل اعتماد كبير على الاقتصاد النفطي والتنويع المطلوب.
وقالت دراسة بحثية بعنوان “آثار المؤشرات الديمغرافية على سوق العمل في الجزائر خلال الفترة 1962‑2018” إلى أن واحدة من المشكلات الأساسية كانت ارتفاع معدل الخصوبة في العقود الأولى بعد الاستقلال، ما أدى إلى زيادة كبيرة في فئة السكان الصغار (0‑14 سنة).
ومع ذلك، عقب إطلاق البرنامج الوطني للسيطرة على النمو السكاني (PNMCD) في عام 1983، انخفض معدل الخصوبة، ما ساعد على رفع نسبة السكان في سن العمل (15‑64 سنة) لكنّ ذلك ترافق مع صعوبة في استيعاب هذا الحجم في سوق العمل مما أدى إلى ارتفاع معدل البطالة.
مؤشرات البطالة والنشاط الاقتصادي في الجزائر
تشير بيانات من مواقع مثل Macrotrends و YCharts إلى أن معدل البطالة في الجزائر شهد تذبذبات كبيرة خلال العقود الماضية:
- في عام 1995، وصل معدل البطالة إلى 31.84٪.
- بحلول 2010، كان حوالي 9.96٪.
- في 2020 وصل إلى 14.06٪، ثم تراجع تدريجيًا ليصل إلى 11.43٪ عام 2024.
- معدل البطالة بين الشباب (15‑24 سنة) يُعد أكثر حدة: في 2024، بلغ 29.76٪، وهو ما يعكس صعوبة كبيرة في اندماج الشباب في سوق العمل، خاصة أولئك المتخرجين حديثًا من المؤسسات التعليمية.
- نسبة المشاركة في القوة العاملة كانت 40.76٪ في عام 2024، مع تفاوت كبير بين الرجال (حوالي 66.5٪) والنساء (حوالي 16.9٪).
- مشاركة النساء في سوق العمل تبقى منخفضة جدًا: في 2019، فقط حوالي 15٪ من النساء في سن العمل كنّ نشطات اقتصاديًا.
اقتصاد الظل في الجزائر (غير الرسمي) ودوره في توظيف العاطلين:
واحد من أبرز التحديات هو اتساع مايسمى اقتصاد الظل في السوق الجزائرية (الموازٍ أو غير الرسمي) . ارتفاع معدلات البطالة، خاصة بين الشباب، دفع الكثيرين للعمل في هذا القطاع كملجأ أمام الفشل في سوق العمل الرسمي. هذه الوظائف غير الرسمية توفر دخلاً، لكنها غالبًا ما تفتقر إلى الضمان الاجتماعي أو الاستقرار، ما يجعلها حلًا قصير الأمد وليس دائمًا مستدامًا.
في الثمانينات وأوائل التسعينات، تأثرت الجزائر بانخفاض أسعار النفط، ما زاد صعوبة خلق فرص شغل جديدة في القطاع العام.
تقرير البنك الدولي يوضح أن البطالة تضاعفت تقريبًا من منتصف الثمانينات إلى أوائل التسعينات، مع تزايد عدد العاطلين، وُجد أن جزءًا كبيرًا منهم – خاصة الشباب – بدون عمل.
وفقًا لتقرير البنك الإفريقي التنموي (AfDB) عام 2008، انخفضت البطالة من حوالي 30٪ في سنة 2001 إلى 15.3٪ في 2005، ثم إلى نحو 12.3٪ في 2006.
التحديات الراهنة والحلول المحتملة
تواجه الجزائر اليوم مجموعة من التحديات الأساسية في سوق العمل:
- بطالة الشباب: نسبة كبيرة من الشباب لا يجدون فرص عمل ملائمة، مما يخلق رغبة واضحة في الهجرة أو اللجوء إلى العمل غير الرسمي.
- نقص اندماج النساء: مشاركة النساء في سوق العمل منخفضة جدًا مقارنة بالرجال، ما يمثل خسارة كبيرة لإمكانيات اقتصادية.
- اقتصاد معتمد على النفط: الاقتصاد الجزائري يظل حساسًا لتذبذبات أسعار المحروقات، وهذا تأثيره كبير على التوظيف والاستثمارات الصناعية.
- ضخامة الاقتصاد غير الرسمي: على الرغم من أن هذا القطاع يمتص جزءًا من الباحثين عن عمل، لكنه غالبًا ما يفتقر إلى الضمانات الاجتماعية والاستقرار، مما يجعل العديد من العمال في وضع هش.
- محدودية التنويع: هناك حاجة ملحّة لتنمية قطاعات جديدة مثل التقنية والصناعة والتكوين المهني لتوليد وظائف ذات جودة عالية.
سوق العمل في الجزائر اليوم هو مزيج من التحديات والفرص. الأرقام الأخيرة — مثل معدل البطالة البالغ 11.43٪ في 2024 تُظهر أن المشكلة ليست فقط في التوظيف، بل في النوعية والاستدامة.
من أجل التقدم، من الضروري أن تشجع الدولة على تنويع الاقتصاد بعيدًا عن النفط، وتعزز التكوين المهني وريادة الأعمال بين الشباب. كما يجب العمل على تحسين اندماج النساء في سوق العمل وتوفير حماية أفضل للعاملين في الاقتصاد غير الرسمي.



















