تطرق مقال لصحيفة الشرق الأوسط البريطانية إلى الذكرى الثلاثين للانتخابات الرئاسية الجزائرية لعام 1995، مركزاً على فوز الرئيس اليمين زروال وما مثّله ذلك من منعطف سياسي في قلب العشرية السوداء، ثم استعرض جانباً من الوثائق البريطانية السرية التي رُفعت عنها السرية مؤخراً، والتي تكشف كيف تعاملت العواصم الغربية مع تلك الانتخابات في ظل العنف المسلح والانسداد السياسي آنذاك.
وحسب الموقع تُظهر الوثائق أن فوز زروال سحب من المعارضة حجة “غياب الشرعية الشعبية”، في وقت كان فيه البلد يواجه ذروة الإرهاب وتهديدات مباشرة للناخبين، بينما دعت الأحزاب الكبرى-الجبهة الإسلامية للإنقاذ، جبهة التحرير الوطني، جبهة القوى الاشتراكية – إلى المقاطعة. ومع ذلك، خرج الناخبون بأعداد غير متوقعة، محققين نسبة مشاركة بلغت 75% من أصل 16 مليون مسجل، وهو ما وصفته التقارير البريطانية بأنه كسر لحاجز الخوف ورغبة شعبية واسعة في إنهاء العنف.
وتفيد الوثائق بأن زروال، الذي كان يشغل منصب الرئيس المؤقت في الجزائر ووزير الدفاع سابقاً ويتمتع بدعم قوي من المؤسسة العسكرية، فاز بنسبة 61.34% من الأصوات، فيما حصل منافسه الرئيسي، محفوظ نحناح، على 25.38% فقط، وهو ما وصفته التقارير بأنه “رفض واضح للحكم الإسلامي” وأن نتيجة الانتخابات كانت “تصويتاً ضد العنف أكثر من كونها دعماً لشخص زروال”.
وتوضح البرقيات الدبلوماسية أن المقاطعة التي تبنّتها أحزاب المعارضة “أساءت قراءة المزاج العام”، وأن النتيجة عززت شرعية النظام أكثر مما توقعته حتى الحكومات الغربية. كما لاحظت السفارة البريطانية أن كثافة الانتشار الأمني في يوم التصويت جعلت منه أحد أكثر الأيام هدوءاً في سنوات، وأن العملية – رغم بعض الاتهامات- جرت “بنزاهة وشفافية معقولة”.
وتظهر الوثائق أن الدول الغربية تعاملت مع النتائج بحذر؛ إذ امتنعت فرنسا عن إرسال تهنئة رسمية، وأوصت الخارجية البريطانية بعدم إرسال رسالة من الملكة إليزابيث الثانية “لتجنب أي دلالة سياسية تحمل تأييداً لنظام متهم بالانتهاكات”، رغم السماح لرئيس الوزراء بإرسال تهنئة تحمل اهتمام لندن بالحوار السياسي والفرص الاقتصادية، ومنها صفقة شركة BP الضخمة في الجزائر. كما بعثت ألمانيا وروسيا واليونان وإسبانيا رسائل مماثلة، بينما سجّل الاتحاد الأوروبي ارتياحه لنسبة المشاركة وربط تقدّمه السياسي بإصلاحات اقتصادية منتظرة.
وتشير الوثائق أيضاً إلى أن فوز زروال مهّد لإنهاء تدريجي للعشرية السوداء، خاصة مع تنظيمه انتخابات تشريعية في العام التالي، ومع تمكّن الجيش من تغيير موازين الصراع ودفع العديد من المسلحين للاستسلام، قبل أن يأتي عفو 1999 في عهد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لتعزيز هذا المسار. ومع ذلك، ضغط الدبلوماسيون البريطانيون على ضرورة ملاحظة أن النظام بقي مدعوماً من الجيش، وأن المخاوف مستمرة بشأن قدرة زروال على تنفيذ إصلاحات عميقة، وسط تحذيرات من بقاء الأسباب الاجتماعية والاقتصادية التي غذّت التطرف “صعبة المعالجة”.
وتختم الوثائق بالإشارة إلى أن ردود الفعل الغربية كانت “راضية لكن حذرة”، وأن فرنسا تابعت بحذر نتائج الانتخابات وأثرها على الفيس والـFFS، بينما انتظرت مؤشرات مبكرة بشأن الانتخابات التشريعية المقبلة. في المقابل، اعتبرت لندن أن شرعية زروال أصبحت “أكثر صلابة مما كان متوقعاً”، وأن النتيجة قد تسمح بفتح قنوات سياسية جديدة، حتى لو بقيت عودة الجبهة الإسلامية للإنقاذ إلى المشهد السياسي أمراً بعيداً جداً.



















