شهدت الجزائر خلال السنوات الأخيرة إغلاق سلسلة من المكتبات البارزة في عدة مدن كبرى، ما أثار قلق المثقفين والقراء على حد سواء، بالنظر إلى أهمية المكتبات كفضاءات للمعرفة والبحث العلمي.
من بين أبرز المكتبات التي أغلقت أبوابها مؤخراً: مكتبة منشورات الاختلاف في شارع رضا حوحو بالجزائر العاصمة، التي أغلقت بعد نحو عشر سنوات من النشاط بسبب الأعباء المالية وارتفاع الإيجار؛ ومكتبة مركز التوثيق الاقتصادي والاجتماعي بوهران، التي أُغلقت بعد 60 عاماً من النشاط واحتوائها على 35 ألف عنوان، نتيجة تناقص عدد القراء وانعكاسات جائحة “كوفيد” على الميزانية؛ بالإضافة إلى مكتبة المأمون في وهران ومكتبة شرشال بولاية تيبازة، ومكتبات أصغر في الأحياء، التي أغلقت تدريجياً بسبب ضعف الإقبال والصعوبات المالية.
ويعبر المثقفون والقراء عن استيائهم من هذه الإغلاقات، معتبرين أن المكتبات تمثل “قلب الحضارة وضمير المجتمع”، كما يؤكد بعضهم أن غلق المكتبات يوازي قتل المستقبل الثقافي والمعرفي للأجيال الجديدة. وشارك رواد مواقع التواصل الاجتماعي صوراً وفيديوهات للمكتبات المغلقة، متسائلين عن مستقبل القراء وندرة الكتب في العاصمة.
ويُقدّر عدد المكتبات في الجزائر لعام 2025 بحوالي 2,032 مكتبة، إلا أن كثيراً منها لم يعد يؤدي دوره التقليدي، حيث أصبحت بعض الفروع فارغة أو غير مستغلة. ويُعزى هذا التراجع إلى ضعف الدعم الحكومي، وغياب منظومة توزيع فعّالة، وغياب قوانين تحمي الكتّاب ودور النشر، بالإضافة إلى نقص الرؤية الثقافية التي تربط المكتبة بالمجتمع.
وحذر مختصون من أن استمرار هذا الاتجاه سيؤدي إلى فقدان الجزائر لجسور المعرفة والثقافة، وتأثر الباحثين والطلاب والمثقفين، وقد يمتد أثره إلى فعاليات كبرى مثل صالون الكتاب، التي تعتمد على المكتبات كمحطات أساسية لنشر الثقافة.
وفي هذا السياق، شدد الخبراء على ضرورة تدخل عاجل من وزارة الثقافة لوضع خطة استراتيجية تحمي المكتبات، وتدعمها مالياً وتنظيمياً، لإعادة المكتبات إلى دورها كفضاءات حية للمعرفة والابتكار، وإلا ستظل المكتبات مجرد أرقام على الورق والمجتمع يفقد جزءاً أساسياً من هويته الثقافية.
