تطرق مقال بعنوان” بايا: الذاتية الجزائرية التي ألهمت بابلو بيكاسو” إلى تكريم الفنانة الجزائرية بايا محي الدين خلال لقاء أقيم يوم الجمعة 12 ديسمبر في قاعة الأمير عبد القادر بالمسجد الكبير في باريس، حيث أتيحت للجمهور فرصة إعادة اكتشاف لوحاتها التي تتسم بالعفوية وخيالها الخاص. وُلدت بايا في الجزائر، وكانت دائمًا ترسم بإحساسها الداخلي دون الالتزام بالقواعد، وقد عبرت ألوانها وشخصياتها الحدود وألهمت فنانين كبار مثل بابلو بيكاسو في لوحته الشهيرة “نساء الجزائر”. لا تزال أعمالها اليوم تثير الإعجاب وتطرح تساؤلات حول الإبداع والخيال الفني، وتهدف هذه الأمسية إلى تذكير الجمهور بمن كانت بايا ولماذا تظل مهمة في عالم الفن.
بايا هي امرأة نجحت في تجسيد الثقافة العربية في ألوان وأشكال لوحاتها الفانتازية والمبهرة، وقد لقبها البعض بـ “بيكاسو الجزائر”. حتى ذلك الحين، لم تكن بايا تعرف بيكاسو ولم تطّلع على أعماله. وُلدت باسم فاطمة حداد، وتزوجت لاحقًا محي الدين، في 12 ديسمبر 1931 ببرج الكيفان شرق الجزائر. منذ الصغر بدأت بايا في تشكيل المجسمات ورسم الزخارف على الطين، قبل أن تُشجع على تجربة الألوان المائية. فقدت والدتها في سن الخامسة فتولت جدتها رعايتها، وساعدتها في أعمال المزرعة، حيث كانت ترسم على الرمل وتصنع التماثيل من الطين والماء. لاحقًا، لاحظت مارجريت كامين، الأخت الفرنسية لمالكة المزرعة والمثقفة، موهبتها وشجعتها على تطويرها، لتصبح فيما بعد والدتها بالتبني.
في سن السادسة عشرة، اكتشفها الجامع الفرنسي وعارض الفن آيمي مايغ، ومنحها فرصة عرض أعمالها أمام باريس. صادف أن فنانين مثل أندريه بروتون، جان دوبوفيه وبابلو بيكاسو أمام أعمالها ذات الألوان الزاهية، وبدت عليهم الإعجاب بموهبتها وحساسيتها الفنية. وفي عام 1947، سلط كل من آيمي مايغ وأندريه بروتون الضوء على أعمال بايا غير الأكاديمية من خلال معرض دولي حقق نجاحًا واسعًا، حيث جذبت لوحاتها السريالية والنابضة بالألوان نخبة الفنانين في باريس، بما في ذلك بيكاسو وهنري ماتيس، وتعاونوا معها في استوديو الخزف الأسطوري مادورا في فالوريس.
تميزت بايا بتواضعها وحكمتها وبساطتها، وهو ما ألهم بيكاسو ليصور في عام 1955 لوحة “نساء الجزائر”. تمكنت من تحقيق شهرة عالمية بفضل أسلوبها الفني الفريد. كما أشار كتاب “بايا أو المعرض الكبير” لأليس كابلان إلى حضور سي قدور بن غبريط في افتتاح معرضها بباريس، مؤكدًا البعد الرمزي والسياسي لهذا الحدث، حيث مثلت الفنانة الجزائرية الشابة “الابن الأصلي” رسالة ثقافية وإشارة للتقارب بين فرنسا والمسلمين.
تتميز أعمال بايا بعالم ساحر مليء بالطيور الغريبة، الآلات الموسيقية، والشخصيات النسائية بملابسها الفاخرة والملونة. وقد عُرضت لوحاتها في العديد من المتاحف والمعارض، من متحف الفنون الجميلة بالجزائر إلى الصندوق الوطني للفنون المعاصرة، وصولًا إلى متحف الفن الخام في لوزان.
كانت بايا تقول: «عندما أرسم، أعيش في عالم آخر وأنسى كل شيء. لوحاتي ليست انعكاسًا للعالم الخارجي بل لعالمي الداخلي». ومن خلال أعمالها، تقدم بايا للمتلقي عالمًا مفعمًا بالألوان والمشاعر، عالمًا من الأحلام والسحر. حتى بعد وفاتها في 9 ديسمبر 1998 بالبليدة، استمرت أعمالها في التأثير، حيث عُرضت لوحاتها في معهد العالم العربي في باريس تحت عنوان “بايا، امرأة في حديقتها” من 8 نوفمبر 2022 إلى 26 مارس 2023، لتثبت استمرار إبداعها وشغفها بالفن.
كما قال أندريه بروتون: «بداية عصر التحرر والوفاق، الذي يكسر جذريًا مع السابق، وأحد أدواته الرئيسية هو اندماج الإنسان المتزايد مع الطبيعة… والصاروخ الذي يعلن عنه، أقترح أن يسمى بايا».


















