في خطوة تشريعية تحمل أبعادًا تاريخية وسيادية، يواصل نواب المجلس الشعبي الوطني مناقشة مقترح قانون تجريم الاستعمار، الذي يُعد من أبرز المبادرات القانونية المرتبطة بالذاكرة الوطنية ومسار العدالة التاريخية. المشروع، الذي يتكون من خمسة فصول و27 مادة، يستند إلى مبادئ القانون الدولي، وعلى رأسها حق الشعوب في الإنصاف القانوني، وتحقيق العدالة، وعدم الإفلات من العقاب.
ويهدف قانون تجريم الاستعمار إلى تثبيت المسؤوليات القانونية والأخلاقية للاستعمار، والاعتراف بجرائمه، والدعوة إلى الاعتذار عنها، باعتبار ذلك أساسًا لأي مصالحة حقيقية مع التاريخ، وضمانًا لحماية الذاكرة الوطنية من النسيان أو التمييع. ويأتي هذا النقاش في سياق وطني يؤكد فيه المشرّع الجزائري تمسكه بملف الذاكرة باعتباره جزءًا لا يتجزأ من السيادة الوطنية.
وخلال الجلسة العامة، التي حضرها أعضاء من الطاقم الحكومي وممثلو منظمات الأسرة الثورية، قدّم رئيس المجلس الشعبي الوطني، إبراهيم بوغالي، عرضًا عامًا لنص المقترح نيابة عن رؤساء المجموعات البرلمانية. وأكد بوغالي أن هذا القانون لا يقتصر على كونه إجراءً تشريعيًا، بل يمثل “لحظة وعي ووفاء” ومحطة فارقة في مسار الجزائر الحديثة، تُجدد فيها الدولة عهدها مع تاريخها ونضال شعبها.
وذكّر بوغالي بالجرائم التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي في الجزائر على مدى 132 سنة، مشددًا على أن التمسك بالذاكرة الوطنية خيار استراتيجي، وأن بناء المستقبل لا يمكن أن يتم عبر القفز على الماضي أو تجاهله. كما أبرز أن هذا المقترح يعكس إرادة سياسية وتشريعية لتأطير الذاكرة ضمن مسار قانوني واضح.
وكان رئيس المجلس قد عقد اجتماعًا سابقًا مع أعضاء لجنة صياغة مقترح القانون، بحضور رئيس لجنة الدفاع الوطني المختصة بدراسته، حيث تم التباحث حول الجوانب القانونية والتنظيمية، وبرمجة عرضه ضمن جدول أعمال المجلس. كما شدد بوغالي على ضرورة توفير كل الشروط لضمان نقاش مسؤول وبنّاء يرقى إلى مكانة هذا الملف في الوجدان الجماعي للأمة.
ويُنتظر أن تواصل الجلسات القادمة تعميق النقاش حول مواد القانون، في ظل إجماع واسع على رمزيته الوطنية، واعتباره خطوة تشريعية تهدف إلى صون الذاكرة، وتكريس العدالة التاريخية، وترسيخ موقف الجزائر الثابت من ماضيها الاستعماري.


















