شكّل عام 2025 مرحلة مفصلية في تاريخ سوق النفط العالمي، ليس لأنه شهد صدمات كبرى فقط، بل لأنه كشف بوضوح عن تحوّل بنيوي في طريقة تفاعل السوق مع الجغرافيا السياسية، وفائض المعروض، والتحول الطاقوي. كان عامًا تتقدّم فيه الأخبار السياسية خطوة، ثم تتراجع أمام الأرقام الأساسية للعرض والطلب خطوتين.
اتسم سوق النفط خلال 2025 بتقلبات حادة، حيث تحركت الأسعار داخل نطاق متوسط، مع ارتفاعات سريعة سرعان ما كانت تتلاشى. ورغم توالي الأزمات الجيوسياسية، سواء في أوروبا الشرقية أو الشرق الأوسط، فإن تأثيرها ظل في الغالب مؤقتًا ونفسيًا أكثر منه هيكليًا.
السبب الرئيسي يعود إلى فائض المعروض العالمي. فقد واصل الإنتاج نموه بوتيرة تفوق نمو الطلب، خاصة من الولايات المتحدة، البرازيل، وكندا، إلى جانب مستويات إنتاج مرتفعة من بعض دول أوبك+. في المقابل، جاء نمو الطلب العالمي أضعف من المتوقع، متأثرًا بتباطؤ الاقتصاد الصيني، وتشديد السياسات النقدية في الاقتصادات الكبرى، وتسارع كفاءة الطاقة.
أوبك+ بين الدفاع والاحتواء
خلال 2025، واصل تحالف أوبك+ لعب دور “صمام الأمان”، عبر تمديد تخفيضات الإنتاج ومحاولة ضبط الإمدادات. غير أن قدرة التحالف على دفع الأسعار صعودًا ظلت محدودة، لأن السوق كان يواجه واقعًا صعبًا: أي ارتفاع في الأسعار كان يغري المنتجين خارج أوبك بضخ مزيد من النفط، ما يعيد الضغط الهبوطي بسرعة.
بمعنى آخر، لم تعد أوبك+ تتحكم بالسوق كما في السابق، بل أصبحت تدير التوازن أكثر مما تصنعه.
الجغرافيا السياسية: تأثير أقل مما كان
على عكس سنوات سابقة، أظهرت 2025 أن الأسواق باتت أكثر برودة تجاه الأخبار السياسية. التوترات في أوكرانيا، الشرق الأوسط، والتهديدات المتعلقة بإيران، رفعت الأسعار لفترات قصيرة، لكنها لم تنجح في خلق موجات صعود طويلة الأمد، طالما لم تُترجم إلى تعطّل فعلي ومستدام للإمدادات.
هذا يعكس نضجًا أكبر في السوق، وارتفاع المخزونات الاستراتيجية، وتنوّع مصادر الإمداد مقارنة بعقود مضت.
2026: سنة الضغط السعري
تشير أغلب التوقعات إلى أن 2026 قد تكون سنة صعبة نسبيًا لأسعار النفط. فالمعروض العالمي مرشح للاستمرار عند مستويات مرتفعة، في وقت يُتوقع فيه نمو بطيء للطلب. هذا التفاوت قد يدفع الأسعار إلى التحرك في نطاق أدنى، مع ميل هبوطي، خاصة في النصف الأول من العام.
ومع ذلك، لا يُتوقع انهيار حاد، بل انخفاض منضبط، تدعمه احتمالات خفض إنتاج إضافي من أوبك+، إلى جانب تراجع الاستثمارات في مشاريع النفط الجديدة بسبب ضعف العائدات.
ما بعد 2026: عودة التقلبات الذكية
على المدى المتوسط، بين 2027 و2030، قد يدخل السوق مرحلة مختلفة. استمرار ضعف الاستثمار في الاستكشاف والإنتاج قد يؤدي إلى نقص تدريجي في المعروض، في وقت لا يزال فيه النفط عنصرًا أساسيًا في مزيج الطاقة العالمي، خاصة في آسيا وإفريقيا.
في هذا السيناريو، قد تعود الأسعار إلى الارتفاع بشكل تدريجي، لكن ليس إلى مستويات قياسية مستقرة، بل في إطار سوق يتسم بـتقلبات أكثر حدة وأقصر زمنًا، حيث تلعب السياسة، المناخ، والتكنولوجيا أدوارًا متداخلة.
و في الخلاصة يمكن القول كان 2025 عامًا كشف حقيقة أساسية: سوق النفط لم يعد يُقاد بالخوف وحده، بل بالأرقام. فائض المعروض، تباطؤ الطلب، والتحول الطاقوي جعلت الأسعار أقل حساسية للصدمات، وأكثر ارتباطًا بالمعادلات الاقتصادية الصلبة.
أما المستقبل، فيبدو محكومًا بمعادلة دقيقة:وفرة اليوم قد تصنع شحّ الغد، والأسواق، كعادتها، ستتحرك قبل أن يتفق الجميع على الاتجاه. النفط لم يفقد مكانته بعد، لكنه دخل عصرًا جديدًا… عصر التوازن الهش.
