ان أي مفهوم أو شعار يكرس مبدأ المواطنة والوطنية وحتى القومية ، سيمثل بالنسبة للدول الاستعمارية هدفا اساسيا لكل عمليات التشويه والتضليل الاعلامي و الفكري .
فشعار “أفريقيا للأفارقة” والذي استخدم لأول مرة من طرف المغني الايفواري الشهير “ألفا بلوندي” ، جاء ليلخص السياسة الاستعمارية في افريقيا من خلال سلب الثروات الطبيعية المحلية و تشجيع الجهل و إحلال الفقر، واستعباد للافارقة .
وقد ظلت افريقيا لعدة عقود تشهد حالة من الخمول والتبعية السياسة لدول الغرب، إلى أن حلت الأزمة الاوكرانية و التي كانت من بين الاسباب المسرعة في عودة ظهور توجه قومي تحرري جديد داخل القارة السمراء.
القومية التحررية الجديدة ترجمت من خلال شعار “أفريقيا للأفارقة” والذي تم رفعه خلال العديد من المظاهرات المناهضة لفرنسا في كل من أفريقيا الوسطى، مالي، بوركينافاسو و النيجر، جمهورية الكونغو الديمقراطية، أوغندا وغيرها من الدول.
طبعا ، هذا الشعار القومي، لم يعجب فرنسا و حلفائها حيث سارع هذا الطرف الى تحريف معنى “افريقيا للافارقة”, من خلال الايحاء بانه موجه لبعض القوى الجديدة (روسيا، الصين، تركيا، الهند)و التي رسمت نفسها كمنافس شرس لتلك الدول الاستعمارية الغربية وعلى كل الأصعدة خاصة منها الاقتصادية والعسكرية.
وهنا جاء دور الاعلام الغربي عامة والفرنسي خاصة ، حيث ثم تكليفه بمهمة تشويه العلاقات التي تسعى كل من روسيا والصين ربطها مع الدول الأفريقية.
ورقة الهجرة الغير شرعية كهجوم مضاد
إن ظاهرة الهجرة الغير الشرعية والتي تم فجاة التركيز عليها مؤخرا في كل من تونس، ليبيا، المغرب و الجزائر، ما هي الى هجمة مضادة من مراكز غربية من اجل وقف تمدد رقعة الفكر القومي الافريقي الجديد .
وقد مارست وسائل اعلام غربية واخرى افريقية محلية ممولة غربيا بمساعدة بعض الجمعيات المدنية، نوع من انواع التضليل والخداع وذلك من اجل تحريف هذا التوجه التحرري الجديد.
فبعد ان كان شعار افريقيا للافارقة موجها ضد القوى الاستعمارية الفرنسية الغربية تحول بين عشية وضحاها في يلاطوهات الاعلام الغربي الى مطلب لغزو الدول المغاربية وهذا نتيجة تلاعبات الغرف المظلمة في أوروبا والتي وجدت في الموساد داعما قويا لها.
فعملية التشويه وإفراغ هذا الشعار من معناه و محتواه الحقيقي ليس أمرا اعتباطيا بل هو عملية مدروسة بعناية كان الهدف منها :
- زيادة الضغط على بعض الدول المغاربية(تونس، ليبيا، الجزائر) من أجل الارتماء في أحضان الغرب .
- ضرب المصالح والأهداف الأفريقية في العمق. كيف ذلك؟ من خلال تقزيم الهدف الرئيسي الذي هو مناهضة فرنسا والقوى الغربية واستبداله بضرورة استرجاع الدول المغاربية التي هي لأفريقيا السمراء
- تطبيق سياسة فرق تسد وذلك بخلق روح الشقاق والتفرقة بين الشعوب الأفريقية مما يعبد ويرسخ أفكار الاستعمار كحل لكل المشاكل.
الجزائر وتجربة حراك 2019
ان مبدأ “تحريف الأهداف” اصبح يمثل احدى اهم الاسلحة الفعالة ، والمعتمدة اليوم من قبل المخابر البحثية الغربية فيما يسمى بحروب الجيل الجديد “الحروب الناعمة”.
و بهدف كسر مسار الفكر التقدمي الوطني الذي تشهده بعض الدول الافريقية و نخص بالذكر هنا الجزائر (التي تبنت فكرا قوميا أفريقيا)، من اجل ذلك يكفي مستعمر الامس اللجوء الى سلاح ناعم وفعال اسمه تحريف الاهداف .
وقد كانت الجزائر خلال فترة حراك 2019 مسرحا لاحدى تجليات تلك الحروب الناعمة.
شعار “فرنسا أرحلي” “la France dégage ” والذي تم حمله عبر مختلف مناطق الجزائر خلال التظاهرات الشعبية التي عرفها هذا البلد الافريقي سنة 2019، مثل صدمة في اروقة الحكم البارسية والتي كانت تظن ان سيطرتها الفكرية على هذا الشعب الثائر كانت في صالحها.
فرنسا وبهدف مواجهة الشعارات المعادية لها ، دفعت اخطبوطها الاعلامي سريعا للواجهة ، هذا الاخطبوط والذي يظم وسائل اعلام فرسية كقناة (فرانس24)، بالاضافة لاخرى جزائرية تتلقى تمويلا اجنبيا ، كما تم الاعتماد في ذلك على وجوه الطابور الخامس.
الجيش الفرنسي الاعلامي ، تبني تكتيك التغطية الموجهة أو Le mensonge par omission.
وقد تجلى ذلك من خلال رفع شعارات عدائية تجاه المؤسسة العسكرية وبعض مؤسسات الدولة السيادية كشعار “مدنية ماشي عسكرية”.
وكان الغرض من هذه الاستراتيجية الاعلامية الناعمة هو محاولة تحريف الرأي العام الجزائري عن هدفه الاساسي و الذي تمحور حول التنديد باعمال فرنسا التخريبية التي مست الاقتصاد الوطني وذلك من خلال دعمها للعصابة السياسية-الاقتصادية والتي كان دورها التغطية على نهب ثروات الشعب من قبل الشركات الغربية.
الحروب الجديدة و تحديات المستقبل
على ضوء هذا ، نشير الى اننا اليوم في عصر الحروب الجديدة و التي اصبحت تستهدف خاصة الدول التي تحمل توجها وطنيا تحرريا .
ففرنسا وحلفائها ، جعلوا من فكرة “التضليل الاعلامي” راس حربة في معاركهم و مخططاتهم من اجل افشال القومية الوطنية وخاصة داخل القارة الأفريقية.
ويمكن القول ان هذه الأجندة الإعلامية، تندرح ضمن حرب ناعمة سلاحها المعلومات ، مما استوجب تبني استراتيجية اعلامية فعالة في مواجهة هذه البروباغندا الغربية.