واجه الفيلم الجزائري «د. فرانتز فانون» للمخرج عبد النور زحزاح تحديات في توزيعه داخل فرنسا، رغم الإقبال الكبير الذي شهده في العروض المسبقة، تم تقديم الفيلم في حوالي 70 صالة سينما فقط، وهو عدد اعتبره فريق الإنتاج والإخراج “مقاطعة غير معلنة” من قبل بعض دور العرض الفرنسية.
أشارت الموزعة الفرنسية للفيلم، أمل لاكومب، إلى أن “لا توجد أي صالة فن وتجريبية في باريس ترغب في عرض الفيلم”، رغم الإقبال الكبير الذي شهده في العروض المسبقة. وأوضحت أن بعض دور السينما قدمت تبريرات تتعلق بجوانب فنية أو تجارية، مثل “الفيلم ليس فنيًا بما فيه الكفاية” أو “يحتوي على الكثير من الموسيقى”، لكنها اعتبرت هذه الأعذار غير مقنعة، مشيرة إلى أن هذه المواقف تعكس تحفظًا أعمق تجاه موضوع الفيلم المتعلق بالاستعمار والعنصرية.
و رغم الإشادة الدولية التي حظي بها الفيلم، حيث عُرض في مهرجانات مرموقة مثل منتدى برلين السينمائي ومهرجان كوبنهاغن للأفلام الوثائقية، إلا أنه لم يُعرض في فرنسا خلال أسبوعه الأول سوى في 70 صالة سينما فقط. هذا العدد المحدود من العروض اعتبره فريق الإنتاج والإخراج “مقاطعة غير معلنة” من قبل دور السينما، خاصة في باريس، حيث لم تُعرضه أي صالة فن وتجريبية.
و حسب صحيفة The Guardian، فإن الفيلم، الذي يصور فترة عمل فانون في مستشفى بلدة-جوينفيل بين عامي 1953 و1956، أثار استياء بعض الزملاء الفرنسيين بسبب تصويره للممارسات الاستعمارية في الطب النفسي الفرنسي آنذاك، مما أدى إلى بعض التوترات حول عرضه في فرنسا.
و تعيش العلاقات الجزائرية الفرنسية في السنوات الأخيرة على وقع توترات متكررة، سرعان ما تتحول من خلافات دبلوماسية إلى تعبيرات عدائية في المجالين الإعلامي والسياسي داخل فرنسا. فالأزمة التي اندلعت مجددًا ، كشفت عن انزياح خطير في الخطاب الرسمي وغير الرسمي الفرنسي، حيث لم تعد الخلافات تُعبَّر عنها بلغة المصالح المتباينة أو الرؤى الجيوسياسية المختلفة، بل أُلبست بلبوس ثقافي وهوياتي يكشف عن تحول خفي نحو “الجزائرفوبيا”. هذا المصطلح، الذي يُستخدم للإشارة إلى الخوف أو العداء تجاه الجزائر والجزائريين، لم يعد حكرًا على تيارات اليمين المتطرف، بل تسلّل إلى وسائل الإعلام الكبرى وبعض الدوائر السياسية التي تعيد إنتاج صور نمطية مشحونة ضد الجزائر، وتتعامل مع أي تعبير عن الذاتية الجزائرية – سواء في السينما أو في الساحة الدولية – كنوع من التحدي غير المقبول. في هذا السياق، يصبح التضييق على أعمال فنية مثل فيلم “فانون” أو التشكيك في نوايا الجزائر الدولية، انعكاسًا لاضطراب أعمق في النظرة الفرنسية إلى مستعمرتها السابقة، وتعبيرًا عن عجز مستمر في بناء علاقة متوازنة تقوم على الاحترام المتبادل بدلًا من الإرث الثقيل للهيمنة.
وفي سياق هذه التحولات، اتخذت الجزائريفوبيا في فرنسا مظاهر عدة، حيث لم تقتصر على الخطاب السياسي والإعلامي، بل امتدت لتشمل استخدام القضاء كأداة لمضايقة الجزائريين الذين يعيشون في فرنسا. بدأت هذه الظاهرة تتجسد في متابعات قانونية تتعلق بالمؤثرين والشخصيات العامة من أصول جزائرية، ما أدى إلى تصعيد التوترات الاجتماعية والسياسية. أما في المجال الثقافي، فقد تعرّض فيلم “فرانس فانون” لعرقلة شديدة في عرضه، وهو ما اعتبره البعض جزءًا من هذا التضييق الممنهج على أي شكل من أشكال التعبير الذي يعكس الذاكرة الجزائرية أو ينقد التاريخ الاستعماري الفرنسي. إذ يُعد منع الفيلم أو تقليص فرص عرضه في صالات السينما الفرنسية بمثابة مؤشر على استمرار هيمنة الثقافة الفرنسية التي تحاول فرض رقابة على تاريخ الجزائر المستقل والذاكرة الجماعية. في هذا السياق، يصبح التضييق على الأعمال الفنية مثل “فرانس فانون” والتشكيك في نوايا الجزائر الدولية انعكاسًا لاضطراب أعمق في النظرة الفرنسية إلى مستعمرتها السابقة.
و كانت تصريحات سابقة أدلى به الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في عام 2021، حيث زعم أن “الأمة الجزائرية لم تكن موجودة قبل قدوم الاستعمار الفرنسي في 1830”. هذا التصريح، الذي اعتُبر إنكارًا لتاريخ الجزائر الطويل قبل الاستعمار، يسلط الضوء على استمرار عقلية الاستعمار الفرنسي التي لا تزال تتسرب إلى الخطاب السياسي في بعض الأوساط. وقد أثار التصريح ردود فعل غاضبة في الجزائر، حيث اعتُبرت هذه التصريحات محاولة لتقليص هوية الجزائر والنيل من مكانتها كدولة ذات تاريخ مستقل. هذا التصريح يعكس أحد جوانب الجزائرفوبيا المنتشرة في فرنسا، حيث يتم التقليل من شأن التاريخ الجزائري والحضارة التي قامت قبل الاستعمار الفرنسي، ويعزز من الاستمرار في النظر إلى الجزائر من خلال منظور الاستعمار، بدلاً من تبني رؤية أكثر توازناً تستند إلى الاحترام المتبادل والاعتراف الكامل بتاريخ الجزائر وهويتها.”