في أول حوار إعلامي له بعد انتخاب البابا الجديد “ليون الرابع عشر”، كشف الكاردينال جان-بول فاسكو، رئيس أساقفة الجزائر، عن كواليس المجمع المغلق الذي أسفر عن اختيار الكاردينال الأمريكي روبيرت بريفوست لخلافة البابا فرنسيس. وفي حديثه لمجلة Famiglia Cristiana الإيطالية، سلّط فاسكو الضوء على الأبعاد الروحية والسياسية التي رافقت القرار، مؤكدًا أن الاختيار لم يكن محكومًا بالاعتبارات الجغرافية أو التوازنات الدولية، بل جاء استجابة لما وصفه بـ”إلهام الروح القدس”. ويكتسي هذا الحوار أهمية خاصة من زاوية جزائرية، إذ يتقاطع مع رمزية تاريخية وثقافية ترتبط بتراث القديس أوغسطين وابتهال الجزائريين في ذكرى شهداء العشرية السوداء.
هكذا ولماذا اخترنا الكاردينال بريفوست
يروي أسقف الجزائر، جان بول فيسكو، كيف تم التوصل إلى اختيار البابا الجديد: “عندما أدركنا أنه الخيار الوحيد الممكن، غمرتنا فرحة عميقة. صحيح أنه من الولايات المتحدة، لكنه لن يكون سفيرًا لترامب وفانس”.
قبل دقائق فقط انتهت أول قداس للبابا ليون الرابع عشر في كنيسة السيستين بحضور الكرادلة. وبينما كان يخرج مسرعًا من بوابات الفاتيكان مرتديًا الثوب الأبيض للدومينيكان وحاملاً غطاء الميترية تحت ذراعه، بدا الكاردينال الفرنسي جان بول فيسكو، البالغ من العمر 62 عامًا ورئيس أساقفة الجزائر، وكأنه يريد مواصلة السير، لكن الصحفيين الفرنسيين نادوه بقوة، فاقترب منهم كعادته بابتسامته وتواضعه المعروف مع الإعلام.
سؤال: كاردينال فيسكو، كيف وصلتم إلى اختيار بريفوست؟
“لم يكن الأمر صعبًا. لا تُجرى حملات انتخابية قبل المجمع، ولا يوجد مرشحون ولا مجموعات ضغط. صحيح أنكم أنتم الصحفيون تنشرون قوائم للمرشحين المحتملين، وقد نقرأ أسماءنا ونفكر أنه قد يقع علينا الاختيار، لكن المجمع تجربة روحية عميقة، وليست مجرد قراءة بشرية. تحدثنا بالطبع خلال الاجتماعات التحضيرية، حيث عبر كل منا عن رؤيته، لكن بعد ذلك سارت الأمور بسرعة تفوق ما تتخيلون. الروح القدس تدخل، وكل الكواكب اصطفت، وفي لحظة ما أدركنا أنه لا يوجد بديل، لا أسماء أخرى ممكنة. وعندما فهمنا أن المجمع قد حُسم مبكرًا، غمرتنا فرحة عميقة. كانت السعادة ترتسم على وجوه جميع الكرادلة. أما بالنسبة لي، فكانت فرحة خاصة”.
سؤال: لماذا؟
“لأن يوم 8 مايو يصادف ذكرى شهداء الجزائر، وهم 19 راهبًا قُتلوا خلال الحرب الأهلية الجزائرية في التسعينيات. كما أن البابا ليون من رهبنة القديس أغسطينوس، وهو ابن أرض الجزائر. وعندما كان بريفوست رئيسًا للرهبنة، زار الجزائر. نحن الآن ننتظر عودته”.
سؤال: ما هي الصفات التي أثارت إعجابك في الكاردينال بريفوست؟
“لديه العديد من الصفات: متواضع، متحفظ، وصاحب خبرة هائلة. عاش تجربة التبشير والإدارة، شغل منصب الرئيس العام للأغسطينيين، وكان أيضًا مسؤولًا عن مجمع الأساقفة. حياته تختصر نصف الكرة الشمالي والجنوبي، سافر كثيرًا ويملك رؤية شاملة. ورغم كونه رجل إدارة، إلا أنه ليس بيروقراطيًا؛ هو رجل ميدان. كما يؤكد من يعملون معه أنه يحب العمل الجماعي. يعرف كيف يستمع ثم يتخذ القرار. هذه الصفات أثرت بالتأكيد في اختيارنا. لدينا حقًا بابا طيب، طيب كخبز اليومي، كما يُقال”.
سؤال: هل يمكنك، دون أن تتعرض للحرمان الكنسي، أن تخبرنا بحجم الأغلبية التي انتخبته؟
“يمكنني القول إنه حظي بدعم جميع أعضاء مجمع الكرادلة”.
سؤال: أليس اختيار بابا من قوة عظمى مثل الولايات المتحدة أمرًا يثير الاعتراضات؟
“لم نطرح هذا السؤال. ليون رجل ينتمي إلى عالمين. ولاحظتم أنه تحدث من الشرفة بالإيطالية والإسبانية، وليس بالإنجليزية”.
سؤال: ما نوع العلاقة التي قد تجمعه بدونالد ترامب؟
“صورته لا تتطابق قطعًا مع ما نعرفه عن اليمين الأمريكي. البابا ليون لن يكون سفيرًا لترامب أو لفانس”.
سؤال: كيف يبدو عن قرب؟
“هو ليس رجلاً ضخمًا، مثلي تمامًا، انظروا إلي. نحن نحيفان ولا نبعث الخوف”.
سؤال: كم عدد اللغات التي يتحدث بها؟
“أربع لغات: الإنجليزية، الإسبانية، الإيطالية والفرنسية. الفرنسية هي الأضعف لديه، لكنه يفهمها. ومن المفيد جدًا أن يكون للبابا قدرة على التعبير بأربع لغات، لأن جميع المسيحيين في العالم يريدون التواصل المباشر معه”.
سؤال: البابا ليون ارتدى الوشاح الأحمر والسترة الذهبية عند ظهوره الأول. هل هذا يدل على قطيعة مع أسلوب البابا فرنسيس؟
“البابا الجديد يبقى على طبيعته، مع احترامه للمسار الذي رسمه فرنسيس. سنرى إن كان سيعود للسكن في الشقق البابوية، وأعتقد أن ذلك مرجح. وبالمناسبة، لاحظتم — وأنا أعلم كم تحبون هذه التفاصيل — أنه لم يرتدِ الحذاء الأحمر”.
سؤال: ما رأيك في اختياره لاسم ليون؟
“اسم ليون لم يُثر الحماسة في الجموع كما فعل اسم فرنسيس. فاليوم من يسمي ابنه ليون؟! لكن لنتذكر أن البابا ليون الثالث عشر كان بابا اجتماعيًا عظيمًا”.