في عمق الجنوب الغربي للجزائر، وتحديدًا بمدينة الأبيض سيدي الشيخ التابعة لولاية البيض، تتجدد سنويًا طقوس أحد أعرق التقاليد المحلية، التي تُخلّد اسم الولي الصالح سيدي عبد القادر بن محمد بن سليمان بن أبي سماحة، المعروف بـ”سيدي الشيخ”. وتُعرف المناسبة باسم “الركب” أو “الوعدة”، وتُقام عادة في يومي 21 و23 ماي من كل عام، في تظاهرة روحية، ثقافية واجتماعية، تم إدراجها منذ سنة 2013 ضمن قائمة التراث الثقافي اللامادي للبشرية من قبل منظمة اليونسكو، ما يعكس عمقها الرمزي في الذاكرة الجماعية لسكان المنطقة.
و يتوافد آلاف الزوار من مختلف ولايات الوطن وخارجه، سواء من أتباع الطريقة الشيخية أو من محبّي التراث المحلي، لإحياء هذه الوعدة. وتُقام خلالها “السلكة”، وهي ختم جماعي للقرآن الكريم، إضافة إلى تلاوة “الياقوتة”، وهي قصيدة روحية من 178 بيتًا نظمها سيدي الشيخ. وتشمل المناسبة أيضًا محاضرات دينية، حلقات ذكر، ومبادرات إصلاح ذات البين، ما يجعل منها فضاءً للتواصل الاجتماعي والعائلي.
كما يُستقبل الضيوف بإكرام بالغ، من خلال توفير الطعام والإيواء، في أجواء تضامن وكرم تعكس روح مبنية على المحبة، والخدمة، والصفاء.
ومن أبرز ملامح “الركب” عروض الفروسية المعروفة بـ”العلفة” أو “الفنتازيا”، بمشاركة أكثر من 400 فارس من مختلف مناطق البلاد، يرتدون أزياء تقليدية، ويرافقهم شعراء ملحون يرددون المدائح والملاحم التي تمجّد تاريخ المنطقة وروحها.
تُقام هذه العروض في ساحة “الفرعة” المجاورة للزاوية الشيخية حيث يُدفن سيدي الشيخ، لتتحول المنطقة إلى فضاء احتفالي ينبض بالحياة، تستعرض فيه المهارات الفروسية والشعر الشعبي، في مشهد يُكرّس هذا التقليد كحارس لذاكرة المجتمع وموروثه الثقافي والديني.
تعود تسمية “الركب” إلى عادة قديمة مارسها سكان منطقة أستيتن (على بُعد 35 كلم من مدينة البيض)، حيث كانوا يمتطون الخيل متجهين نحو الأبيض سيدي الشيخ لإحياء ذكرى وفاة هذا العالم والمتصوف والمجاهد. وتشير مصادر تاريخية إلى أن هذه العادة بدأت مباشرة بعد وفاة سيدي الشيخ سنة 1616، إذ أوصى بأن يُدفن بالأبيض، فحُمل موكب جنازته من أستيتن إلى هناك، ليتحوّل هذا المسار الجنائزي إلى تقليد سنوي ديني واحتفالي.