يبدو أنّ فرنسا تلك التي أبقت يدها الماكرة لعقودٍ على خيرات الشعوب العربية والإفريقية منذ عهد الاستيطان الوحشي قد قررت اليوم أن تنتقل من “النهب الاقتصادي” إلى “الابتزاز السياسي” على طريقة عصابات الويسكي في عشرينيات القرن الماضي بأمريكا: تفرض “ضريبة حماية” ثم تهدد بمصادرة عقارات المسؤولين “المتمردين”. تمامًا كما كان عصابات المافيا يطرقون أبواب الحانات ويقولون لمالكيها: “إما تدفع الكعكة أو تترك المكان”، ها هي باريس تدقّ أبواب الجزائر وتُلقي عليها معادلة بسيطة: “إما تراعي مصالحنا أو نستولي على ممتلكاتك”.
فها هي “عاصمة الجن والملائكة” تدقُّ أبواب الجزائر وتلقي عليها المعادلة نفسها: “إما تراعي مصالحنا أو نستولي على ممتلكاتك.” في مشهدٍ بدا كأنه خرج من نص فيلم إثارة خيارًا غاية في الرقيّ: إما أن تستقبل دفعاتٍ جديدة من “المهاجرين” وفق المعايير التي ترضي باريس، أو أن ترى “مصادرة عقارات المسؤولين الجزائريين” .
لا يهمّ إن كانت الحجة غدًا تراخيص صيدٍ بحريّ أو تفتيشَ شجرة تفاحٍ لا تثمر، فالأهمّ أن تبقى المساطر القانونية في المعاملات الثنائية مُغلّفةً بستار من الغموض يخلق جوا ملائما للاستفادة من ثروات بلدان الجنوب
وفي هذه الأثناء، استنفرت باريس أذرعها الإعلامية المموَّلة بأموال كبار المصرفيين ومالكي العقارات الفارهة الذين فاق سجلُّهم حنكة عصابات الويسكي في نهب ثروات الشعوب الإفريقية لتسليط الضوء على “الجريمة” الجزائرية، بينما تتوارى خلف الستار شُبَهاتهم ومساراتهم المالية الحقيقية.
ربما تلقي فرنسا المثقلة ديونها التي تجاوزت 3.500 مليار دولار نظرة جديدة إلى “مصادرة الأصول الجزائرية” كحل سحري للأزمة المالية. فبدل أن تتوسّع في الطباعة النقدية أو تضغط على صندوق النقد الدولي، يكفيها سرقة “شقة جزائري” هنا أو فيلا في الدائرة 16 هناك؛ لتُسدّ فجوة الدين كما تُسدّ ذرائع الابتزاز السياسي.
وقد كانت رسالة الجزائر واضحة لا صفقات مشبوهة بعد الآن؛ فإما أن تكفّ باريس عن ابتزاز جارتها الجنوبية تحت ستار “الحماية الاقتصادية”، أو أن تكتفي بمتابعة شؤونها الداخلية من وراء شاشات التهديد والتجميد. أما إذا ظنّت أنها ستُجبر الجزائري على الامتثال، فلتعلم جيداً أن الأزقة لا تحفظ سوى مَنْ يملك حق المرور فيها، وأن الجزائر هذه المرة قد أغلقت الطريق أمام تجار الويسكي والدبلوماسية المضطربة معاً.