في خطوة سياسية مفاجئة، أعلن رجل الأعمال والملياردير الأميركي إيلون ماسك، يوم السبت 5 جويلية 2025، عن تأسيس حزب جديد تحت اسم “حزب أميركا” (America Party)، مهاجمًا في الوقت نفسه كلا الحزبين التقليديين في الولايات المتحدة، الجمهوري والديمقراطي، ومتهمًا إياهما بـ”خيانة الناخب الأميركي” عبر دعم مشاريع إنفاق ضخمة ستثقل كاهل البلاد بالديون.
وجاء إعلان ماسك عن تاسيس “حزب أميركا” عبر منشور على منصته X، بعد ساعات من تصويت إلكتروني نظّمه بنفسه، شارك فيه أكثر من 1.2 مليون مستخدم، وأظهر أن ثلثي المصوّتين يؤيدون إنشاء حزب ثالث لكسر احتكار الحزبين التقليديين للمشهد السياسي. وكتب ماسك: “بما أنكم تؤيدون تأسيس حزب جديد بنسبة 2 إلى 1، فليكن لكم ما تريدون. اليوم، نُعلن انطلاق حزب أميركا لاستعادة الحرية”.
ويأتي هذا التحول السياسي الحاد بعد خلاف علني بين ماسك والرئيس السابق دونالد ترامب، على خلفية دعم الجمهوريين لمشروع قانون ضخم أطلق عليه ماسك اسم “قانون ترامب الكبير”، معتبرًا أنه يمثل “أكبر عبء دَين في تاريخ الولايات المتحدة”، ومتوعدًا بالتصدي له عبر دعم مرشحين بديلين في الانتخابات التمهيدية المقبلة، بل والتفكير في خوض سباق الرئاسة إذا تطلّب الأمر.
منذ انتخابات 2024، كان ماسك يُعتبر أحد أبرز داعمي ترامب ماليًا وإعلاميًا، حيث قدّر دعم مجموعته السياسية بـأكثر من 250 مليون دولار. لكن خلافاته الأخيرة مع الجناح الجمهوري دفعت به إلى الاصطفاف خارج المنظومة التقليدية، في محاولة واضحة لإعادة تشكيل الخارطة السياسية الأميركية، خاصة وسط تراجع شعبية الحزبين التقليديين بحسب استطلاعات حديثة.
وتثير هذه الخطوة تساؤلات حول مستقبل المشهد الحزبي في الولايات المتحدة، وإمكانية كسر احتكار الحزبين الجمهوري والديمقراطي، خصوصًا في ظل امتلاك ماسك موارد مالية هائلة وقاعدة جماهيرية رقمية نشطة. ويرى مراقبون أن دخول ماسك إلى الساحة الحزبية قد يُحوّل المعركة السياسية إلى اختبار بين “المال والتقليد”، خاصة في انتخابات 2026 النصفية والرئاسية المنتظرة في 2028.
تُعدّ الساحة السياسية في الولايات المتحدة واحدة من أكثر النماذج استقرارًا في هيكلها الحزبي، حيث يهيمن الحزبان الجمهوري والديمقراطي على الحياة السياسية منذ منتصف القرن التاسع عشر. بدأت هذه الثنائية الحزبية في التشكل بوضوح بعد انهيار حزب “الويغ” وصعود الحزب الجمهوري في خمسينيات القرن 19، خاصة مع انتخاب أبراهام لينكولن رئيسًا عام 1860.
. ومنذ 1860، لم يفز أي مرشح رئاسي من خارج هذين الحزبين بمنصب الرئيس. وعلى الرغم من ظهور محاولات لتأسيس “أحزاب ثالثة”، مثل “حزب التقدم” بقيادة ثيودور روزفلت (1912) أو حملة روس بيرو المستقلة (1992)، فإن النظام الانتخابي الأميركي القائم على “الفائز يأخذ كل شيء” جعل من الصعب على القوى السياسية البديلة اختراق المشهد بشكل فعّال. وهكذا، رسّخت الثنائية الحزبية سيطرتها على الكونغرس، والولايات، والمؤسسات التشريعية والتنفيذية، ما جعل أي تحدٍ خارجي، مثل إعلان إيلون ماسك تأسيس “حزب أميركا”، بمثابة اختبار جديد لقدرة النظام الأميركي على التغيير من الداخل.
من هو ايلون ماسك ؟
إيلون ماسك، رجل الأعمال الجنوب أفريقي الأصل، بات من أبرز الأسماء التي تجمع بين الابتكار التكنولوجي والطموح السياسي في العالم. وُلد عام 1971 في بريتوريا، وبدأ مسيرته في عالم البرمجة مبكرًا، حينما باع أول لعبة إلكترونية قام بتطويرها وهو في الثانية عشرة من عمره.
بعد دراسته في كندا والولايات المتحدة، حصل ماسك على شهادتين في الفيزياء والاقتصاد، قبل أن ينطلق في تأسيس شركات غيرت معالم التكنولوجيا. من بينها Zip2 ثم PayPal، ثم SpaceX التي فتحت المجال للقطاع الخاص في غزو الفضاء. لكن مساهمته الأبرز كانت من خلال شركة Tesla، التي أحدثت ثورة في سوق السيارات الكهربائية.
لم يتوقف عند هذا الحد، بل أطلق مشاريع أخرى مثل Neuralink (لربط الدماغ بالحاسوب)، وThe Boring Company (للنقل تحت الأرض)، وxAI (للذكاء الاصطناعي). كما اشترى منصة تويتر وأعاد تسميتها إلى “X” في عام 2023.
لكن اللافت مؤخرًا هو دخوله الساحة السياسية. فبعد فترة قصيرة كمستشار للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، غادر ماسك الإدارة في مايو 2025 على خلفية خلاف حول خطة إنفاق ضخمة، ليؤسس بعد ذلك “حزب أمريكا”، حزب جديد يسعى لمنافسة الجمهوريين والديمقراطيين، عبر برامج تركز على ضبط النفقات والابتكار الأمني والتكنولوجي.
هذا التوجه السياسي الجديد أثار اهتمامًا إعلاميًا واسعًا، خصوصًا بعد تأجيل إطلاق صندوق استثماري مرتبط بتسلا، وسط تساؤلات حول مدى قدرة ماسك على تغيير قواعد اللعبة في نظام انتخابي ثنائي صارم.