يستعد الكونغرس الإسباني هذا الأسبوع لمناقشة مشروع قانون يوصف بالتاريخي، يهدف إلى رفع السرية عن آلاف الوثائق الرسمية التي تعود إلى ما قبل عام 1981، أي إلى مرحلة حكم الجنرال فرانثيسكو فرانكو والفترة الانتقالية التي أعقبت وفاته وصولًا إلى بداية العهد الديمقراطي.
قانون رفع السرية عن حقبة فرانكو، و الذي صادقت عليه الحكومة الإسبانية في جوان 2025 ، يلغي بشكل رسمي قانون السرية الذي أصدره فرانكو عام 1968، ويستبدله بنظام جديد للتصنيف الزمني، بحيث تُرفع السرية تلقائيًا عن الوثائق الأقدم من خمسة وأربعين عامًا ما لم يكن في الكشف عنها تهديد مباشر للأمن الوطني الإسباني.
وبموجب مشروع فتح أبواب الأرشيف الإسباني، ستقسم المستندات إلى مستويات تبدأ من “سري جدًا” وتمتد سرّيتها حتى ستين عامًا، مرورًا بمستويات أقل كـ “سري” لمدة 45 عامًا، و“سري محدود” لفترة بين سبع وتسع سنوات، و“مقيد” بين أربع وخمس سنوات.
و تكمن أهمية هذه الخطوة في كونها ستفتح لأول مرة أبواب الأرشيف الإسباني أمام الباحثين والمؤرخين والمهتمين بفهم الماضي القريب، بما في ذلك ملفات حساسة ارتبطت بسياسات الدولة في عهد فرانكو والعقد الأول من الانتقال الديمقراطي.
ومن بين الملفات التي يُرتقب أن تحظى باهتمام خاص تلك المتعلقة بالصحراء الغربية، حيث ينتظر خبراء القضية الصحراوية والمتضامنون معها الكشف عن وثائق اتفاقيات مدريد الثلاثية عام 1975، التي نقلت بموجبها إسبانيا المستعمرة السابقة إلى المغرب وموريتانيا. هذه الاتفاقيات، التي وُقعت بينما كان فرانكو في غيبوبة مرضية، أشرف عليها الجنرال غوميز دي لاثارو ممثلًا لإسبانيا، في خطوة اعتبرها مراقبون آنذاك خرقًا صارخًا لقرار الأمم المتحدة 1514 الصادر عام 1960 والخاص بحق الشعوب في تقرير المصير وإنهاء الاستعمار.
الصحافة الإسبانية أبرزت أن وزير العدل في الحكومة، فيليكس بولانيوس، قدّم المشروع على أنه محاولة لمواءمة التشريع الإسباني مع المعايير الأوروبية، والتخلص من الاستثناء التاريخي الذي جعل من قانون السرية الإسباني أحد أقدم النصوص التي لا تزال سارية في الاتحاد الأوروبي. بولانيوس أكد أن الأمر يتعلق بمنح المواطنين حقًا كاملاً في معرفة الماضي بمجرد انتهاء آجال السرية القانونية، واعتبر أن الديمقراطية لا يمكن أن تكتمل من دون شفافية تاريخية.
ردود فعل المؤرخين جاءت متباينة. بعضهم، مثل الأستاذ الجامعي مانويل نونيز سييساس، رحّب بالمشروع ورأى أنه سيساعد على إعادة تركيب “الفسيفساء التاريخية” لفترة حساسة من تاريخ إسبانيا، بما يشمل ملفات عمل أجهزة الاستخبارات، والعلاقات مع المغرب، وظروف محاولة الانقلاب العسكري في 23 فيفري 1981. غير أن أصواتًا أخرى مثل المؤرخ أنخل فينياس حذّرت من أن هذه الخطوة قد تفقد الكثير من قيمتها إذا لم تقترن بإجراءات تطبيق دقيقة، خاصة في ظل ما يثار عن احتمال إتلاف بعض الأرشيفات أو فقدانها، إضافة إلى ضعف تنظيم الأرشيف الإسباني وغياب الرقمنة في كثير من القطاعات.
وبينما ينظر إلى هذا القانون على أنه لحظة فاصلة في مسار الذاكرة التاريخية الإسبانية، فإن النقاش المنتظر في قبة الكونغرس يثير آمالًا كبيرة لدى ضحايا الدكتاتورية، والفاعلين الحقوقيين، والمتخصصين في قضية الصحراء الغربية، الذين ينتظرون بفارغ الصبر ما ستكشفه الوثائق من تفاصيل طالما ظلت طي الكتمان منذ ما يقارب نصف قرن.
قضية فتح الأرشيف السري الإسباني ليست مجرد خطوة إجرائية عابرة، بل حدث سياسي وتاريخي يعيد إلى الواجهة صفحات طالما حاولت مدريد طيّها خلف جدران الصمت. فالنقاش المرتقب داخل الكونغرس الإسباني حول رفع السرية عن آلاف الوثائق الرسمية التي تعود إلى ما قبل عام 1981 يضع البلاد أمام مواجهة مع تاريخها، ومع ملفات استعمارية لم تفقد راهنيتها بعد. وفي قلب هذا الجدل تقف الصحراء الغربية، المستعمرة الإسبانية السابقة، التي تخلّت عنها مدريد في ظرفية استثنائية سنة 1975 عبر اتفاقيات مدريد الثلاثية، حين كان الجنرال فرانكو في غيبوبة مرضية، ليوقّع ممثله الجنرال غوميز دي لاثارو على وثائق نقل الأرض إلى المغرب وموريتانيا.
المصادر: رويترز، الباييس، هافينغتون بوست إسبانيا، كادينا سير.


















