يعود المخرج الأمريكي بول توماس أندرسون بفيلمه الجديد One Battle After Another “معركة تلو الأخرى” (2025)، ليقدم تجربة سينمائية تمزج بين الدراما السياسية والتأمل الفلسفي في مفهوم المقاومة. أندرسون، المعروف بأعماله الإنسانية العميقة مثل There Will Be Blood وThe Master، يعالج هذه المرة قضايا الثورة والسلطة والعزلة من خلال شخصية بطل يسعى للهروب من ماضيه الثوري، ليجد نفسه مضطرًا لمواجهة حاضر متقلب ومرير.
الفيلم يستلهم جزئيًا من رواية Vineland للكاتب الأمريكي توماس بينشون، لكن اللافت هو التلميح المباشر إلى الفيلم الجزائري الكلاسيكي «معركة الجزائر» (1966). ففي أحد المشاهد، يشاهد ديكابريو الفيلم أثناء عزلته، في إشارة رمزية إلى تأثير السينما الثورية على الوعي الجمعي العالمي. واعترف أندرسون في مقابلة بأن مشاهدة The Battle of Algiers كانت بمثابة “تمرين تحفيزي” أثناء التحضير للعمل، لما يحتويه من طاقة سياسية وتوثيق بصري نادر.
و يعد فيلم «معركة الجزائر» (1966) The Battle of Algiers, تجسيدًا سينمائيًا دقيقًا للصراع الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي بين عامي 1954 و1962، مركزًا على الأحداث التي دارت في حي القصبة بالعاصمة الجزائرية. استخدم المخرج الإيطالي جيلو بونتيكورفو أسلوب التصوير شبه الوثائقي، مستفيدًا من المشاهد الحية للسكان المحليين والمواقع الحقيقية، ما أضفى على الفيلم مصداقية وواقعية غير مسبوقة. يبرز الفيلم عمليات المقاومة الحضرية التي قام بها جبهة التحرير الوطني (FLN)، بما في ذلك التفجيرات والتخطيط السري، إلى جانب الرد الفرنسي العنيف، والذي شمل الاعتقالات والتعذيب، ليظهر التوتر السياسي والإنساني في قلب الثورة.
اما فيما يخص فيلم “معركة تلو الأخرى” فيقود ليوناردو ديكابريو في دور بوب فيرغوسون، الثائر السابق الذي تنقلب حياته رأسًا على عقب بعد اختطاف ابنته، فينطلق في رحلة مضطربة بين الغابة والمدن، وبين ذكريات الماضي ورغبة الانتقام. ويقدم ديكابريو أداءً يجمع بين الغضب الكامن والوعي السياسي، ووصفه النقاد بأنه “أكثر أدواره نضجًا منذ فيلم The Revenant”.
و اعتمد فيلم «معركة الجزائر» على مزيج من الممثلين المحترفين والسكان المحليين، أبرزهم ياسمين أديب الذي أدى شخصية مستوحاة من نفسه كقائد فعلي في الثورة، وعلي بونيمور (Ali La Pointe) الذي جسد شخصية مقاوم شاب انخرط في العمليات المسلحة ضد الاحتلال الفرنسي. إضافة إلى ذلك، شارك العديد من سكان حي القصبة في أداء أدوار المدنيين، ما عزز الطابع الواقعي للعمل. من خلال هؤلاء الشخصيات، يعرض الفيلم الصراع الداخلي للثوار، الصعوبات اليومية للمدنيين، والتحديات التي واجهت المقاومة الشعبية، مقدمًا بذلك صورة متكاملة عن الثورة الجزائرية ومسارها التاريخي.
هكذا، يعيد One Battle After Another طرح السؤال الكلاسيكي: هل يستطيع الثائر العيش خارج معركته؟ وبينما يتأمل ديكابريو الشاشة التي تعرض أحداث القصبة، تظهر الجزائر في خلفية الذاكرة السينمائية كرمز خالد للحرية والمقاومة، رابطًا بين صدى الماضي الثوري وتأملات السينما المعاصرة.



















