وثائق سرّية: تعاون بين المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية و”إسرائيل”

في تطور لافت يعكس تصاعد حدة الاشتباك السياسي والدبلوماسي حول الملف النووي الإيراني، فجّرت طهران، يوم الخميس 12 جوان 2025، قنبلة إعلامية وأمنية تمثلت في نشر ما وصفته بـ”الدفعة الأولى من وثائق سرّية” تشير إلى تعاون مزعوم بين المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، و”إسرائيل”. يأتي ذلك بالتزامن مع قرار دولي غير مسبوق يُدين إيران بسبب “عدم تعاونها”، ما يؤشر إلى دخول النزاع النووي مرحلة أكثر تعقيدًا وتوترًا، قد تُعيد رسم قواعد الاشتباك بين طهران والغرب، وتُثير تساؤلات حرجة حول حيادية الوكالة الذرية ومصداقية تقاريرها التقنية.

هذا و كشفت وزارة الأمن الإيرانية، عن ما وصفته بـ”أولى دفعات الوثائق السرّية” التي تم الحصول عليها من خلال عملية استخبارية دقيقة، وتشير  بحسب الرواية الإيرانية  إلى تعاون مباشر بين المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، و”إسرائيل”، بهدف التأثير في تقارير الوكالة بشأن البرنامج النووي الإيراني.

الوثائق التي نُشرت عبر وسائل إعلام إيرانية، أبرزها وكالة فارس، تتّهم غروسي بتنفيذ ما أسمته بـ”إملاءات ممثلي الاحتلال داخل الوكالة”، من خلال توجيه التقارير الدولية بما يخدم مصالح تل أبيب، وتجاهل الأنشطة النووية غير المُعلنة التي يُزعم أن “إسرائيل” تقوم بها خارج نطاق التفتيش الدولي.

و كان  مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية قد تبنّى  اليوم  قرارًا يُدين إيران رسميًا على خلفية ما اعتبره “عدم تعاون جوهري” مع طلبات المفتشين الدوليين، وتجاهلًا للالتزامات التقنية المنصوص عليها في اتفاق الضمانات المرتبطة بمعاهدة عدم الانتشار النووي. القرار، الذي صيغ بمبادرة من دول الترويكا الأوروبية (فرنسا، ألمانيا، بريطانيا) بدعم من الولايات المتحدة، يُعد الأول من نوعه منذ أكثر من عشرين سنة، ويشكّل محطة مفصلية في مسار المواجهة الدولية مع طهران بشأن برنامجها النووي.

في المقابل، سارعت إيران إلى التنديد بالقرار ووصفت محتواه بأنه “مسيس ولا يستند إلى تقييم تقني مستقل”. وردًا على التصعيد، أعلنت السلطات الإيرانية تدشين منشأة تخصيب جديدة تحت الأرض لم يُفصح عن موقعها الدقيق، في إشارة واضحة إلى نيتها توسيع قدراتها دون الاكتراث للضغوط الدولية.

وتشير الوثائق المسربة من ايران  إلى أن غروسي لم يكتفِ بالتنسيق المؤسسي، بل أقام اتصالات مباشرة مع ميراف زافاري-أوديز، التي شغلت منصب مندوبة “إسرائيل” لدى الوكالة الدولية بين عامي 2014 و2016. وقد كانت، بحسب الرسائل المسرّبة، على تواصل دائم مع غروسي بهدف توجيه أجندة الاجتماعات والتركيز الإعلامي والسياسي داخل أروقة الوكالة.

تُظهر المراسلات المسربة  والتي لم يُنشر معظمها حتى الآن بشكل كامل – أن زافاري-أوديز كانت تضطلع بـ”مهمة خاصة” تمثلت في تحويل الأنظار عن البرنامج النووي الإسرائيلي، مقابل التشويش على النشاط الإيراني. ووفقًا لإحدى الوثائق، طلبت عقد اجتماع عاجل مع غروسي بتاريخ 10 ماي 2016، أعقبه تبادل إيميلات – بلغة عبرية لم تترجم كلها بعد – مع شخصية تدعى إلاي ريتيغ، ضمن ما يبدو أنه تحضير لاستراتيجية ضغط إعلامية داخل الوكالة الدولية.

تعاون مزعوم بدأ قبل تسلم غروسي منصبه
ورغم أن غروسي تولّى رسميًا منصب مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية في ديسمبر 2019، إلا أن الوثائق الإيرانية تشير إلى “نشاط مبكر” له بالتنسيق مع ممثلي الاحتلال، يعود إلى ما بعد توقيع الاتفاق النووي الإيراني (JCPOA) بخمسة أشهر فقط. واعتبرت طهران ذلك “نقطة تحوّل خطيرة” في عمل الوكالة، حيث بدأ – بحسب الرواية الإيرانية – توظيف منصبه لتغذية الشكوك حول البرنامج النووي الإيراني.

سياق استراتيجي أوسع
وزارة الأمن الإيرانية، ومن خلال هذه الوثائق، تربط ما تصفه بـ”التحرك المشترك” بين غروسي و”إسرائيل” بسياق استراتيجي أوسع، يتضمن تقويض فرص الاعتراف بشرعية البرنامج النووي الإيراني، والإبقاء على الضغط الدولي، في الوقت الذي يُستثنى فيه البرنامج الإسرائيلي من أي رقابة أممية مماثلة.

ولا تزال طبيعة الوثائق الكاملة غير معلنة حتى الآن، إذ اكتفى الإعلام الإيراني بنشر مقتطفات، وسط دعوات محلية في طهران لإحالة غروسي إلى المساءلة، واتهامات صريحة له بفقدان الحياد المهني.

للاشارة رافائيل ماريانو غروسي هو دبلوماسي أرجنتيني، وُلد في 29 مارس 1961، ويحمل خبرة تمتد لأكثر من 35 سنة في الشؤون النووية والدبلوماسية متعددة الأطراف. يشغل منصب المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية منذ ديسمبر 2019، ليصبح أول لاتيني يتولى هذا المنصب الحساس في تاريخ الوكالة. قبل انتخابه، عمل غروسي سفيرًا ومندوبًا دائمًا لبلاده لدى المنظمات الدولية في فيينا، وكان له دور بارز في العديد من الملفات النووية، منها المفاوضات حول نزع السلاح النووي ومراقبة الامتثال للمعاهدات الدولية.

للتذكير الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA) هي هيئة رقابية مستقلة تأسست عام 1957 بموجب اتفاقية دولية، وتُعد الذراع التقنية الرئيسية للأمم المتحدة في مجال الطاقة النووية. يقع مقرّها الرئيسي في فيينا بالنمسا، وتضمّ اليوم أكثر من 175 دولة عضوة. تتمثل مهمتها الأساسية في ضمان استخدام الطاقة النووية لأغراض سلمية فقط، ومنع تحويلها إلى برامج عسكرية أو أنشطة محظورة، وذلك من خلال نظام تفتيش صارم يُعرف بـ”اتفاق الضمانات”. تملك الوكالة صلاحية إرسال مفتشين فنيين إلى المنشآت النووية في الدول الموقعة على معاهدة عدم الانتشار النووي (NPT)، لمراقبة المواد والمعدات النووية والتحقق من مطابقتها للأنشطة المصرح بها. بالإضافة إلى ذلك، تعمل الوكالة على دعم الدول النامية في توظيف التكنولوجيا النووية في مجالات الصحة والزراعة والمياه والطاقة، كما تسهم في تعزيز الأمن النووي والتعامل مع النفايات الإشعاعية. وبالرغم من طابعها الفني والتقني، كثيرًا ما تجد الوكالة نفسها في قلب الأزمات الجيوسياسية، حيث تُستخدم تقاريرها كمستندات أساسية في اتخاذ قرارات دولية كفرض العقوبات أو التفاوض على الاتفاقيات النووية.

المصدر: الميادين + الصحفي

Exit mobile version