مناورات الأطلسي في الشمال: رسالة ردع مزدوجة لروسيا و إيران ؟

في خضم تصاعد التوترات الدولية على جبهتين متزامنتين، تتمثلان في الحرب المستمرة بين روسيا وأوكرانيا من جهة، وتبادل الضربات الصاروخية بين إيران و”إسرائيل” من جهة أخرى، أطلق حلف شمال الأطلسي (الناتو) مناورات جوية غير مسبوقة في فنلندا، تُعدّ الأضخم في تاريخ البلاد منذ انضمامها للحلف. ويأتي هذا التحرك العسكري في سياق إعادة رسم خرائط الردع الجوي لحلف الناتو، على وقع تحولات استراتيجية عميقة تشهدها القارة الأوروبية ومنطقة الشرق الأوسط، ما يعكس قلق الحلفاء من توسّع رقعة المواجهة إلى جبهات جديدة.

و أطلق حلف شمال الأطلسي (الناتو) مناورات جوية واسعة النطاق في فنلندا، هي الأولى من نوعها في البلد الذي انضم رسميًا إلى الحلف في أفريل 2023. التمرين، الذي يحمل اسم Atlantic Trident 25، يمتد من 16 إلى 27 جوان  2025، ويشهد مشاركة أكثر من 40 طائرة حربية من الجيلين الرابع والخامس، بالإضافة إلى أكثر من 1,000 فرد من الطواقم الفنية والطيارين من ست دول أعضاء.

تشمل الطائرات المشاركة مقاتلات F-35A وF-15E الأمريكية، Typhoon البريطانية، Rafale الفرنسية، ومقاتلات F/A-18 الفنلندية، بالإضافة إلى طائرات دعم واستطلاع مثل KC-135 للتزود بالوقود في الجو، وE-3F AWACS الفرنسية، وطائرات RQ-4D Phoenix المسيرة التي توفر قدرات استخباراتية متقدمة.

و تركّز المناورات على محاكاة سيناريوهات جوية مركّبة، تتطلب تنسيقًا عالي المستوى بين المقاتلات متعددة الجنسيات، بما في ذلك تنفيذ عمليات هجومية ودفاعية، ودعم لوجستي مشترك، وتفعيل أنظمة القتال المرنة المعروفة باسم Agile Combat Employment، وهي استراتيجية تعتمد على نشر القوات الجوية بسرعة من قواعد متنقلة لمواجهة تهديدات غير متوقعة.

ومن ضمن التمارين أيضًا، تدريبات على إصلاح الطائرات والقواعد الجوية في حالات الضربات، وهو ما يعكس اهتمامًا متزايدًا باستمرارية العمليات القتالية تحت الضغط، كما يجري تدريب الطواقم على تبادل قطع الغيار والخدمات الفنية بين الطائرات الحليفة، وهو عنصر حاسم في أي حرب طويلة الأمد.

فنلندا: من دولة شريكة إلى قاعدة أمامية
استضافة فنلندا لهذا التمرين تعد سابقة، فهي المرة الأولى التي يُنقل فيها تمرين Atlantic Trident إلى دولة خارج مثلث الولايات المتحدة–بريطانيا–فرنسا. ويرى مراقبون أن اختيار فنلندا ليس صدفة، بل يدخل ضمن سياسة الناتو لمدّ نفوذه العملياتي نحو الشمال الأوروبي والقطب المتجمد، في ظل ما يعتبره الحلف “مخاطر متزايدة” قادمة من الجانب الروسي، خصوصًا بعد التصعيد في أوكرانيا والتحذيرات الروسية المستمرة بشأن توسع الناتو شرقًا.

تحمل هذه المناورات، بتوقيتها ومكانها وحجمها، رسائل سياسية وأمنية واضحة. من جهة، هي رسالة دعم لفنلندا في موقعها الحدودي مع روسيا الممتد لأكثر من 1,300 كيلومتر، ومن جهة أخرى، تُعدّ بمثابة اختبار حقيقي لمدى جاهزية الحلف للردّ السريع والمنسّق في حال اندلاع صراع مسلّح في المنطقة.

كما أنّ مشاركة طائرات استطلاع استراتيجية مثل Phoenix RQ-4D، التي تديرها وكالة مراقبة الناتو (NAGSMA)، تكشف عن اهتمام الحلف برصد شامل ومستمر لتحرّكات عسكرية قد تُصنّف على أنها تهديد محتمل، لا سيما في مسارح العمليات الشمالية.

للتذكير أطلق حلف الناتو تحذيرًا يهدف إلى منع اتساع دائرة الصراع في الشرق الاوسط. وأكد الأمين العام للناتو، مارك روتّيه، أن الضربات الإسرائيلية على أهداف داخل إيران جاءت بشكل أحادي الجانب، مشددًا على ضرورة خفض التصعيد فورًا بمشاركة الولايات المتحدة ودول أوروبا حلفاء إسرائيل . ورغم اعترافه بتطور الوضع بسرعة، شدّد روتّيه على أن منظمة الأطلسي ملتزمة بمنع هذه المواجهات من التدحرج إلى صراع إقليمي واسع النطاق، كما أكد عدم وجود أي مؤشر قريب على أن الأمور قد تتجه نحو حرب نووية .

Exit mobile version