بث اليوم القضاء الفرنسي مجددا في قضية أقدم سجين سياسي في العالم, المناضل اللبناني جورج عبد الله بالرغم من ان القانون الفرنسي منح له الحق في إطلاق السراح منذ 25 عامًا.
بعد أربعة عقود قضاها خلف القضبان، يعود ملف جورج إبراهيم عبد الله إلى الواجهة القضائية الفرنسية، حيث قررت محكمة الاستئناف في باريس تحديد يوم 17 جويلية 2025 كموعد للنظر في أحدث طلب للإفراج المشروط عنه، وهو الطلب الثالث عشر منذ أن أصبح مؤهلاً لذلك سنة 1999. ورغم أن القانون الفرنسي يتيح له الحق في إطلاق السراح منذ 25 عامًا، فإن جميع طلباته السابقة قوبلت بالرفض، وسط اتهامات سياسية متواصلة بتعطيل الإفراج عنه بفعل تدخلات أمريكية وإسرائيلية.
ويُعتبر عبد الله، البالغ من العمر اليوم 74 عامًا، من أقدم المعتقلين السياسيين في العالم، بعد أن أُدين سنة 1987 بتهمة المشاركة في اغتيال دبلوماسيين أمريكي وإسرائيلي سنة 1982، خلال فترة اشتداد الصراع اللبناني والغزو “الإسرائيلي” لجنوب لبنان. لكن عبد الله، الذي لم يُقرّ مطلقًا بتورطه المباشر، صنّف تلك العمليات ضمن أعمال المقاومة المشروعة ضد الهيمنة الأميركية و”الإسرائيلية”، معتبراً محاكمته ذات طابع سياسي لا جنائي.
في الجلسة الأخيرة، قال محاميه جان لوي شالانسيه إن موكله يرفض شرط “التعويض المالي للأطراف المدنية” كشرط للإفراج، واصفًا ذلك بأنه ابتزاز سياسي مموه بقناع قانوني. وأشار إلى أن حساب عبد الله في السجن يحتوي على مبلغ 16 ألف يورو يمكن تخصيصه لهذا الغرض، لكن النيابة وخصومه القانونيين اعتبروا أن المال “لا يعود له فعليًا”، كما أبدوا اعتراضهم على ما سموه “غياب التوبة”.
من جهته، ذكّر شالانسيه المحكمة بأن مفهوم “التوبة” لا يُعد شرطًا قانونيًا للإفراج المشروط في التشريع الفرنسي، قائلاً بلهجة احتجاجية: “إما أن تطلقوا سراحه، أو أن تحكموا عليه بالإعدام”.
مع اقتراب موعد الجلسة الحاسمة في جويلية القادم، تتجدد الأسئلة حول استقلال القضاء الفرنسي ومدى قدرة باريس على تجاوز الضغوط السياسية الخارجية، في قضية أصبحت رمزًا لقضايا الأسْر الطويل والإفراج الانتقائي في ملفات الحقوق السياسية والنضال التحرري.
وإذا كانت فرنسا تحرص على تصدير صورتها كـ”مهد حقوق الإنسان” وراعية لحرية التعبير وكرامة المعتقلين السياسيين حول العالم، فإن إصرارها على الإبقاء على جورج عبد الله في السجن منذ أربعة عقود، رغم استيفائه لشروط الإفراج المشروط، يكشف عن ازدواجية فاضحة في معاييرها الحقوقية. فحين يتعلق الأمر بمعتقل “غير مرغوب فيه سياسيًا”، تسقط شعارات العدالة وتتقدم حسابات الجغرافيا السياسية والضغوط الخارجية. وبذلك، تتحوّل الجمهورية التي ترفع راية “الحرية والمساواة والأخوة”، إلى نموذج صارخ لـ”العدالة الانتقائية”، حيث يُكافأ الصمت ويُعاقب الموقف، ويُدفن القانون تحت ركام المصالح.