بليز متريويلي: سيدة MI6 الأولى وظلال ماضٍ نازي

في خطوة وُصفت بالتاريخية، أعلنت الحكومة البريطانية عن تعيين بليز متريويلي أول امرأة على رأس جهاز الاستخبارات الخارجية (MI6)، المعروف بلقب “السيكريت إنتليجنس سيرفيس”. غير أن هذا الإنجاز غير المسبوق شابه كشف مثير نقلته صحيفة The Times البريطانية، يُظهر أن متريويلي هي حفيدة جاسوس نازي يُدعى كونستانتين دوبروولسكي، كان يُلقّب بـ”الجزار” بسبب تورطه في مذابح خلال الحرب العالمية الثانية.

من هو “الجزار” النازي؟

كونستانتين دوبروولسكي، وُلد في أوكرانيا عام 1906، وكان يعمل مدرسًا قبل أن ينخرط في الحرب. في عام 1941، انشقّ عن الجيش الأحمر وانضم إلى القوات النازية بعد اجتياح ألمانيا للاتحاد السوفييتي. وفقًا لتحقيق ذا تايمز، تم تعيينه من قبل الاحتلال الألماني مسؤولًا عن وحدة شرطة محلية في مدينة كوروب شمال شرقي أوكرانيا، حيث أشرف على اعتقالات جماعية بحق اليهود، وصادر ممتلكاتهم، ونهب جثثهم، وكان يوقّع تقاريره بعبارة “هايل هتلر”.

في الوثائق الألمانية، عُرف باسم “العميل 30″، وكان له دور مركزي في دعم النظام النازي على المستوى الميداني. شهادات محلية لاحقة وصفته بـ”الجزار”، في إشارة إلى شراسته ووحشيته في تنفيذ أوامر الإعدام الجماعي.

حفيدته: من كامبريدج إلى قيادة MI6

وُلدت بليز متريويلي في لندن أواخر السبعينيات، لأسرة تنكرت تمامًا لماضي الجد. درست الأنثروبولوجيا الاجتماعية في كامبريدج، وانضمت إلى MI6 في نهاية التسعينيات. طيلة مسيرتها، تنقلت بين عدة مواقع أمنية حساسة، وكانت مسؤولة عن قسم التكنولوجيا والابتكار داخل الجهاز، وتُعرف في النظام الداخلي بـ”Q”، نسبة إلى الشخصية الشهيرة من أفلام جيمس بوند.

في يونيو 2025، أعلنت الحكومة البريطانية عن تعيينها رسميًا على رأس MI6 خلفًا لريتشارد مور، لتبدأ مهامها رسميًا في الخريف المقبل.

الملفت في القضية أن بليز متريويلي نفسها لم تكن تعلم شيئًا عن ماضي جدّها. فبعد الحرب، فرّ والدها إلى بريطانيا وهو طفل، وتم تغيير اسمه إلى “ميتروويلي” تيمّنًا باسم زوج والدته الجورجي الأصل. ولم يكن يدرك هويته البيولوجية الحقيقية. مع ذلك، لم تتردد بعض الجهات الإعلامية والسياسية في استخدام هذه المعلومة للتشكيك في رمزية تعيين أول امرأة في هذا المنصب.

رد وزارة الخارجية البريطانية كان واضحًا: “السيدة متريويلي لا تربطها أي علاقة شخصية بجدّها البيولوجي، وتاريخها المهني يُظهر التزامًا قويًا بالأمن القومي البريطاني ومواجهة الأنظمة المعادية”. كما أشار بيان حكومي إلى أن التعمق في ماضٍ عائلي لا علاقة له بالفرد، لا يخدم المصلحة العامة، بل قد يُستخدم سياسيًا من قبل خصوم بريطانيا، وخاصة روسيا.

يأتي الكشف عن هذه الخلفية بالتزامن مع تصعيد الحرب الاستخباراتية بين الغرب وروسيا، ومحاولة موسكو الدائمة استغلال الثغرات الأخلاقية أو التاريخية للنيل من الرموز الأمنية والسياسية الغربية. ويُعتقد أن الكشف عن ماضي الجد قد يكون مدفوعًا بحرب سرديات استخباراتية أكثر من كونه تحقيقًا صحفيًا نزيهًا.

للتذكير و في حادثة وُصفت بأنها فضيحة سياسية وتاريخية محرجة، أثار البرلمان الكندي جدلاً واسعًا في سبتمبر 2023 بعد أن قام أعضاؤه، بمن فيهم رئيس الوزراء جاستن ترودو والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، بالتصفيق والتكريم العلني لرجل يُدعى يآروسلاف هانكا، البالغ من العمر 98 عامًا، والذي قُدم على أنه “بطل كندي أوكراني حارب ضد الروس من أجل حرية أوكرانيا”.

لكن سرعان ما تبيّن أن هانكا كان عضوًا في الفرقة 14 من قوات فافن إس إس (SS) النازية – فرقة غاليسيا، وهي وحدة شكلها النظام النازي من متطوعين أوكرانيين خلال الحرب العالمية الثانية، وارتُبطت بارتكاب جرائم حرب ضد المدنيين، خصوصًا في بولندا وأوكرانيا. وأدى الكشف عن هذه الخلفية إلى موجة من الغضب في الأوساط اليهودية والبولندية والدولية، حيث اعتُبر تكريم جندي نازي – حتى وإن تم عن غير قصد – إهانة لضحايا الهولوكوست وجرائم النازية.

وفي أعقاب الفضيحة، أعلن رئيس مجلس العموم الكندي، أنتوني روتا، استقالته من منصبه، معربًا عن أسفه لتحمله المسؤولية الكاملة عن الدعوة والتكريم. أما الحكومة الكندية، فحاولت احتواء الموقف بإصدار اعتذارات رسمية، بينما استغلت روسيا الحادثة كجزء من دعايتها للهجوم على الدعم الغربي لأوكرانيا، مروجة لفكرة “تطبيع النازية في الغرب”، وهو ما أعاد تسليط الضوء على حساسية الإرث التاريخي في النزاعات الجيوسياسية المعاصرة.

بوتين يحذر من عودة النازيين الجدد

هذا و كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد استخدم منذ سنوات خطابًا سياسيًا يركز على ما يسميه “عودة النازيين الجدد” في أوكرانيا ودول أوروبا الشرقية، وجعل من هذه الذريعة مركزية لتبرير غزوه لأوكرانيا في فبراير 2022. وقد زعم بوتين مرارًا أن هدف “العملية العسكرية الخاصة” هو “اجتثاث النازية من أوكرانيا”، في إشارة إلى وجود مجموعات قومية متطرفة مثل كتيبة آزوف، رغم أن هذا الخطاب قوبل بتشكيك واسع في الغرب واعتُبر دعاية روسية لتبرير الحرب.

قب الفضيحة التي هزّت كندا في سبتمبر 2023، عندما تم تكريم جندي سابق خدم في وحدة نازية، لم يفوّت الكرملين الفرصة للرد. حيث وصف المسؤولون الروس ما جرى بأنه دليل على “تسامح الغرب مع الإرث النازي”، بل واعتبروه “برهانًا حيًا على صحة تحذيرات بوتين”. وصرحت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا حينها بأن الحادثة تكشف عن “عمى الغرب الأخلاقي”، واتهمت كندا بـ”تمجيد مجرمي الحرب”.

Exit mobile version