ماهر فرغلي لـ”الصحفي”: الجماعات “الجهادية” تطورت رقميًا.. والغرب يتعامل بازدواجية

في خضمّ التحولات الفكرية والسياسية التي تشهدها المنطقة العربية، تبرز الحاجة إلى تفكيك خطاب الجماعات المتطرفة وفهم جذورها وآليات انتشارها، خاصة في ظلّ تسارع التطورات الرقمية وتبدّل أدوات التجنيد والتأثير. وفي هذا السياق، أجرى موقع الصحفي حوارًا معمقًا مع الباحث المصري والخبير في شؤون الإسلام السياسي ماهر فرغلي، الذي يملك تجربة بحثية طويلة في متابعة تطورات التنظيمات الجهادية وتحوّلات الإسلام الحركي في المنطقة. تناول الحوار عوامل الجذب لدى الخطاب الجهادي، وتطور أساليب التجنيد الرقمي، وفشل الإسلام السياسي، إضافة إلى الوضع الأمني في الساحل والصحراء، وازدواجية المقاربات الغربية في التعاطي مع هذه الظواهر. كما قدم فرغلي رؤية نقدية لدور الإعلام في مواجهة التطرف، ووجه رسالة مباشرة إلى الشباب العربي الباحث عن المعنى في زمن متقلب.

الباحث المصري والخبير في شؤون الإسلام السياسي ماهر فرغلي

موقع الصحفي:  برأيكم، ما الذي يجعل بعض الشباب ينجذبون اليوم إلى الخطابات الجهادية رغم كل ما انكشف عن عنفها وتناقضها الداخلي؟
ماهر فرغلي: تحياتي العطرة، هناك عوامل كثيرة جدا، من أهمها هو الخطاب الذي تستخدمه تلك التنظيمات، فهو خطاب جاذب لأنه يرفع شعار الجهاد، وإقامة الخلافة، وتطبيق الشريعة الغائبة، وثانيا بعد مرحلة الأفكار تأتي خطة العمل التي وضعتها التنظيمات في المجتمعات التي ظهرت فيها، والتي تبدأ بالتعرف على أفراد من المجتمع من خلال الدعوة والعلاقات الخاصة، وتجنيد الأتباع شيئًا فشيئًا مستخدمة في ذلك جميع الأساليب الممكنة، ومنها تقديم الخدمات العامة للمجتمعات، حين تجد هذه الجماعات لها موطئ قدم في أية منطقة، أو حتى دائرة ضيقة، عبر مجموعة من الفاعلين يشتركون في جملة من المقومات المظهرية والسلوكية، ويجمعهم هدف مشترك واحد، وثالثاً، الاستفادة بأكبر قدر ممكن من السياسة، والظروف الاقتصادية الداخلية للدولة، ورفع شعارات القضايا السياسية الكبرى مثل تحرير القدس والأقصى… الخ، لكن السبب الأكبر هو عدم وجود خطاب مقابل يفند تلك الأساليب، ويكشف زيفها وضعفها.

موقع الصحفي: من خلال متابعتكم، كيف تطورت أدوات الجماعات المتطرفة في التجنيد الإعلامي والرقمي؟ وهل يمكن مواجهتها بخطاب ديني تقليدي فقط؟
ماهر فرغلي: بكل تأكيد لقد حدث تطور غير اعتيادي في أدوات جماعات الإسلام السياسي، مثل استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، نظرا لسهولتها وقلة تكلفتها، وهذه السهولة شجعت ليس فقط على ارتباط وتقارب الأفراد ذوي الأفكار المتطرفة أو ذوي الاستعداد المُسبق لتقبلها والإيمان بها، وإنما انسحب على المجموعات والكيانات، حيث صار فيما بينها علاقة تفاعل إيجابي قابلة للتطور لاحقًا إلى استقواء وربما تنسيق، عن طريق مواقع التواصل. فيما اعتمدت التنظيمات والجماعات على الإعلام الرقمي، كما أصبحت مواقع التواصل وسيلة كبرى لاختيار المجندين الجدد، بعيداً عن الخطوات التقليدية القديمة، التي كانوا يحددون فيها الخطوات للاختيار، وأولها الجذب والدعوة، وهي مرحلة غالبا ما يقوم بها دعاة تلك الجماعات والذين يتواجدون غالبا في بؤر التجنيد التقليدية، مثل المساجد والجمعيات الخيرية والإغاثية والثقافية الإسلامية والجامعات والمعاهد والمدارس الدينية ورحلات الحج والعمرة والمعسكرات الصيفي… الخ. ومع التطورات الحالية في استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي، الذي من خلاله يقومون بتوليد محتوى ونصوص وصور ومقاطع صوتية ومقاطع فيديو ومحاكاة متعددة الوظائف، أصبحت هناك تحديات أكثر في تطوير مخرجات جديدة بدلاً من مجرد التنبؤ والتصنيف تتضمن كيفية مجابهة تلك التطبيقات الجديدة، فالدعاية هي واحدة من الأدوات الرئيسية التي تستخدمها الجماعات الإرهابية للترويج لقيمها ومعتقداتها، وبمساعدة الذكاء الاصطناعي التوليدي، يمكن نشر الدعاية بسهولة أكبر، وقد يزيد تأثيرها بشكل كبير، مما يجعلها أكثر كفاءة ومصممة خصيصًا لأهدافها، كما يمكن استخدام الدعاية لنشر خطاب الكراهية والأيديولوجيات المتطرفة، عن طريق أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي.

موقع الصحفي: شهدت المنطقة العربية منذ عقدين انهيار مشاريع الإسلام السياسي، وخاصة بعد فشل تجربة الإخوان في مصر. هل ترون أن هذا الفشل فكري، أم هو فقط سوء في الإدارة السياسية؟
ماهر فرغلي: ليس فكريا فقط، وهناك جملة من الأسباب للفشل، ومنها عدم قدرة الجماعات في التحول من تنظيم إلى إدارة دولة، كما أن الإسلام السياسي كله حمل معه إلى السلطة والمسؤولية أسباب فشله البنيوية والموضوعية، مثل صراعاته الداخلية، وغروره المفرط بقوته المفترضة في الشارع، وقلة تجاربه السياسية، والأهم تحالفاته مع جماعات العنف، وعمله السري والعلني معاً. إن التنظيمات والحركات الدينية أو الميليشيات تملك القفز على السلطة في غفلة من الزمن، لكنها لا تملك خطة محكمة لإدارتها وتسيير أمور الدولة واستقرارها وأمنها ونشر السكينة في ربوعها، لأن الجماعات والتنظيمات تربّت على المعارضة والنقد فقط ولم تدخل يوما دواليب الدول، ولم تساهم يوما في إدارتها، وفى معظم أوقاتها تكون في حالة عداء مع الحكام مما يورثها لا شعوريا عداء مع الدولة، فضلا عن حالة العداء شبه المستمرة بينها وبين المؤسسات السيادية نتيجة للصراعات الطويلة بينهما، ومن أهم الأسباب أيضاً هو فشلها في تحقيق الوعود الطوباوية التي رفعتها على مدى العقود الماضية، وعدم وجود تصور للحلول الاجتماعية والاقتصادية اللازمة التي تتجاوز وهم الشعارات الفضفاضة التي يرفعونها مثل الإسلام هو الحل.

موقع الصحفي:كيف تنظرون إلى واقع حركات الاسلام السياسي في شمال إفريقيا، وتحديدًا في الجزائر؟
ماهر فرغلي: لا ينفصل واقع حركات الاسلام السياسي في شمال إفريقيا عن السياق العام لكل الإسلام السياسي بالمنطقة، فهو يقع في نفس الأخطاء المنهجية والسياسية، ولا توجد تغييرات جذرية حركية لديه، فهو لا زال يفشل في التحول من من استراتيجية الصدام الشامل التي ينتهجها إلى سياسة التعايش، وفي تطبيق مبدأ المشاركة لا المغالبة، والعمل السري، والتعالي على المجتمع، وقضية الهوية، ومسكونيتها بقصة الحكام وتكفيرهم والشريعة الإسلامية، وعد التحول اجتماعياً وثقافياً إلى مقاصد الشريعة العامة، والبحث في حلول لمشاكل المواطنين، وعدم الانتقال من الطور الاحتجاجي إلى طور البناء والمشاركة السياسية.

موقع الصحفي: من خلال عملكم البحثي، هل تعتقدون أن هناك إمكانية حقيقية لمراجعات فكرية عميقة داخل التنظيمات الجهادية، أم أن الأمر لا يتجاوز الحسابات التكتيكية؟
ماهر فرغلي:  من الممكن أن تكون هناك مراجعات عميقة، لكن بشرط هو مراجعة موقع هذه الجماعات من الدولة، وهل هي جزء منها أم أكبر منها، وما هو دورها داخل الدولة، لكن طالما أنها ترى أنها شيء والدولة والمجتمع شيء آخر، فإن المراجعات محكوم عليها بالفشل، لذا فقد جاءت مراجعات الإسلاميين في مصر وليبيا… على سبيل المثال منقوصة، فبعضها راجع العمل الحركي الصدامي دون تغيير الأفكار، والبعض الآخر راجع بعض الأفكار الدينية وترك الآخر، لذا فمع الربيع العربي ارتدوا للخلف، وعادوا كما سيرتهم الأولى.

موقع الصحفي: ما تقييمكم للحالة الأمنية في منطقة الساحل والصحراء؟ وهل تعتقدون أن تراجع داعش والقاعدة في سوريا والعراق ساهم في نقل الثقل إلى هذه المنطقة؟
ماهر فرغلي:  الحالة معقدة للغاية، وهي أكبر من أن تراجع داعش والقاعدة في سوريا والعراق ساهم في نقل الثقل إلى هذه المنطقة،فهناك انهيارات أمنية متتالية، وتمدد للتنظيمات الإرهابية لجملة من الأسباب أهمها، انتشار السلفية الحركية، والتعاون بين هذه الجماعات والعصابات الإجرامية والحماية للعديد من الهاربين منهم، والانتقال بين الطرق الوعرة، واختراق المجتمعات عن طريق تأليب الطوائف، والتدخل الأجنبي، وانتشار ميليشيات الدفاع عن النفس “العرقية” (الفولاني، بامبارا، دوجون، موسي)، وغيرها من الأسباب التي أدت لهذا التمدد.

موقع الصحفي:  هل تعتقدون أن الغرب لا يزال يتعامل مع ظاهرة الإسلام السياسي بازدواجية؟ وهل هذه المقاربة تُغذي التطرف بدل محاصرته؟
ماهر فرغلي:  نعم هناك ازدواجية لدى الغرب في التعامل مع ظاهرة الإسلام السياسي، وهذا ظهر بوضوح في التقرير الفرنسي، الذي كان عن انتشار الإخوان في أوروبا، إذ تحدثوا فيه أن هذا الانتشار بسبب الديكتاتورية في العالم العربي، التي دفعتهم للمجيء لفرنسا وغيرها، وأنه لحل المشكلة يجب تغيير الأنظمة، وطبعا هذا يؤكد على هذه النظرة القاصرة، وعدم فهم الظاهرة، إضافة إلى أن الغرب يريد الاستفادة من هذا الملف واستخدامه كورقة مع الدول العربية.

موقع الصحفي: ما الدور الذي يمكن أن يلعبه الإعلام التحليلي، مثل موقع “الصحفي”، في تفكيك خطابات التطرف؟ وما هي أهم النصائح التي تقدمونها لممارسي الإعلام في هذا السياق؟
ماهر فرغلي: الإعلام له دور كبير في مجابهة التطرف، لكن وسائل إعلامنا تعاني من عدم وجود استراتيجية وسياسية تحريرية تعمل كمظلة تنظم عمل تلك الوسائل، وحين يوجد موقع يعمل على تفكيك خطابات التطرف، فهو سيكون نقطة مضيئة وسط الظلام، لذا فنصيحتي هو الاستمرارية في هذا العمل المهم، والفهم الدقيق لأفكار هذا الجماعات أولا وأخيراً، حتى يسهل مجابهتها.

موقع الصحفي: وأخيرًا، ما الرسالة التي توجهونها إلى الشباب العربي الذي يبحث عن معنى أو مشروع فكري أو ديني في عالم متقلب؟
ماهر فرغلي: نصيحتي للشباب أن يكونوا واعين بالدور والهدف للتنظيمات والجماعات، فهي لها أدوار ابعد من الدور الديني، وهو الدور السياسي لخلخلة بنية الدول لصالح مشاريع غربية، وكذا الإحاطة بالفكر الوسطي الديني، والابتعاد عن الفكر المتطرف العنيف.
الأستاذ ماهر فرغلينشكركم مجددًا على كرم تجاوبكم، ونذكّر بلطف أن أي سؤال ترونه غير مناسب أو محرج يمكن تجاوزه أو إعلامنا بحذفه دون أي حرج.

Exit mobile version