في تطور لافت، بدأت بعض الأصوات داخل الدوائر الغربية المحسوبة على حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ولا سيما مراكز الأبحاث المرتبطة بالمحافظين الجدد في الولايات المتحدة، تروّج لفكرة تفكيك إيران على أساس عرقي، عبر استغلال التعدد القومي واللغوي داخل البلاد. هذه الدعوات، التي وُصفت من قبل مراقبين بأنها “متهورة وخطيرة”، تأتي في سياق تصعيد سياسي وعسكري متواصل مع طهران، وتحمل في طيّاتها مخاطر إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط بالقوة، على غرار ما حدث في العراق وسوريا. وبينما تُقدَّم هذه الأطروحات تحت غطاء “دعم الأقليات”، يرى محللون أنها تُعيد إنتاج نماذج الفوضى، وتفتح المجال لصراعات إثنية طويلة الأمد، قد لا تتوقف عند حدود إيران وحدها.
وأشار موقع Responsible Statecraft إلى أن مراكز أبحاث محسوبة على المحافظين الجدد في واشنطن، وفي مقدمتها مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات (FDD)، بدأت تروّج لفكرة تقسيم إيران ن على اساس عرقي، انطلاقًا مما تعتبره نقطة ضعف في التركيبة السكانية المتعددة الأعراق. ووفقًا للمحللة بريندا شافر، فإن التنوع العرقي يمثل “ثغرة يمكن استغلالها لإضعاف الدولة الإيرانية”، مركّزة على منطقة أذربيجان الإيرانية ذات الأغلبية الأذرية، بل وذهبت -بحسب التقرير- إلى تشجيع ضربات إسرائيلية محتملة تستهدف مدينة تبريز، رغم كونها من رموز الوحدة الوطنية الإيرانية.
وفي السياق ذاته، تماهت دعوة شافر مع موقف صحف إسرائيلية مثل جيروزاليم بوست، التي طالبت إدارة ترامب السابقة بدعم فكرة تقسيم إيران علنًا، مع اقتراح إنشاء تحالف إقليمي يُشرف على هذا المشروع، وتقديم ضمانات لمناطق الأقليات مثل السنة والأكراد والبلوش في حال رغبتهم بالانفصال.
على المستوى الأوروبي، رصد التقرير جلسة في البرلمان الأوروبي تحت عنوان “مستقبل إيران”، اقتصر فيها تمثيل الإيرانيين المشاركين على شخصيات من دعاة الانفصال في منطقتي الأهواز وأذربيجان، ما اعتُبر مؤشراً على توجّه بعض الأوساط الأوروبية لاحتضان معارضة متطرفة ومشتتة، تشمل مجموعات منفية مثل الملكيين ومجاهدي خلق والانفصاليين.
مع ذلك، حذّر التقرير من تجاهل هذا التوجه للواقع القومي الإيراني، حيث تشير معطيات عدة إلى وجود هوية وطنية عميقة لدى السكان، عززتها عقود من العقوبات والتحديات الخارجية. وفي هذا الإطار، نقل عن الباحث الإيراني الأميركي شرفين مالك زاده قوله إن “فكرة الأمة الإيرانية قائمة على تصور جماعي لتاريخ متواصل وغير منقطع”، مما يصعّب مشاريع التفكيك العرقي.
ويخلص التقرير إلى اعتبار هذا المسار محاولة لإعادة إنتاج أخطاء سياسية شبيهة بتجارب المحافظين الجدد في العراق وسوريا، التي انتهت بفوضى مدمّرة بدلًا من استقرار مزعوم. كما لفت إلى رمزية أن شخصيات بارزة في القيادة الإيرانية، مثل المرشد الأعلى علي خامنئي والرئيس المنتخب مسعود بزشكيان، ينحدرون من أصول أذربيجانية، في دلالة على تماسك الهوية الوطنية رغم التنوع.
و في ضوء المعطيات المتزايدة، يتّضح تدريجيًا أن دوائر مؤثرة داخل حلف شمال الأطلسي (الناتو)، سواء عبر مراكز أبحاث أميركية محسوبة على المحافظين الجدد أو عبر منصات أوروبية رسمية، بدأت تدفع بخطابات تتجاوز الضغوط التقليدية نحو تفكيك إيران من الداخل على أسس عرقية. ورغم أن هذه الدعوات لا تُعلن دائمًا بصيغة رسمية، إلا أن تكرارها وتبنّيها في أكثر من منتدى يثير تساؤلات حول تحوّل “الناتو” من تحالف عسكري إلى منصة هندسة جيوسياسية تعمل على إعادة تشكيل خارطة.
منطقة. وإذا ما استمر هذا النهج، فإن مخاطره لن تقتصر على إيران وحدها، بل قد تُطلق سلسلة من التفكك الإقليمي تهدد استقرار الشرق الأوسط برمّته، وتُعيد إنتاج سيناريوهات الفوضى التي عاشتها المنطقة خلال العقدين الماضيين.
ويُفهم من تصاعد هذه الدعوات إلى التقسيم العرقي أن الولايات المتحدة وإسرائيل، ومن ورائهما بعض دوائر حلف الناتو، باتت تتحوّل إلى خيارات التفكيك الداخلي بعد فشل الخيار العسكري المباشر. فـما سُمي بـ”حرب الـ12 يومًا” التي شُنّت بشكل غير معلن بين واشنطن وتل أبيب ضد إيران – عبر هجمات سيبرانية، ضربات استخباراتية، ومحاولات لشلّ البنية الدفاعية الإيرانية – لم تحقق أهدافها الاستراتيجية في إضعاف الدولة الإيرانية أو تقويض تماسكها. بل إن الرد الإيراني، سواء على مستوى الميدان أو الخطاب السياسي، أظهر قدرة على امتصاص الضغوط، ما دفع صناع القرار في الغرب إلى اللجوء إلى سلاح الانقسام الداخلي كبديل منخفض الكلفة وأكثر خطورة على المدى الطويل.
المصدر. المياذين + الصحفي