في لقاء ثنائي جمع رئيس مجلس الأمة، عزوز ناصري، بسفير الاتحاد الأوروبي لدى الجزائر، دييغو مييادو باسكوا، دعت الجزائر إلى مراجعة اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي بما يضمن توازنًا أكبر في المصالح ويأخذ بعين الاعتبار التحولات الاقتصادية الوطنية.
وفي بيان المجلس قال أن رئيس مجلس الأمة، السيد عزوز ناصري استقبل ، يوم الثلاثاء 1 جويلية 2025، سفير الاتحاد الأوروبي لدى الجزائر، دييغو مييادو باسكوا، في إطار زيارة مجاملة، بحسب ما أورده بيان رسمي للمجلس. وقد مثّل اللقاء مناسبة لتبادل وجهات النظر حول ملفات متعددة، شملت العلاقات الثنائية، والقضايا الإقليمية والدولية، إلى جانب تقييم اتفاق الشراكة الموقّع بين الطرفين منذ عام 2005.
البيان اشار أن ناصري، خلال المحادثات، أكد ضرورة إعطاء نفس جديد للشراكة الجزائرية-الأوروبية، يكون قائمًا على مبدأ الندية والاحترام المتبادل، ويراعي التحولات الاقتصادية العميقة التي تعرفها الجزائر في ظل سياسة تنويع الاقتصاد الوطني. كما شدد على أهمية مراجعة بنود اتفاق الشراكة بما يضمن توازن المكاسب للطرفين، داعيًا إلى توسيعه ليشمل مجالات وقطاعات جديدة في ضوء ما يتيحه قانون الاستثمار الجديد من فرص.
في السياق الدولي، عبّر رئيس مجلس الأمة عن قلق الجزائر من تفاقم الأزمة الإنسانية في غزة، مطالبًا بدور أوروبي أكثر فاعلية لدعم جهود إقامة الدولة الفلسطينية والاعتراف بها وفق الشرعية الدولية. كما جدّد التأكيد على حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، داعيًا إلى إنهاء سياسة الكيل بمكيالين، والتعجيل بتسوية القضيتين الفلسطينية والصحراوية.
ولم تغب القضايا الدولية الكبرى عن النقاش، حيث دعا ناصري إلى إصلاح مجلس الأمن الدولي عبر توسيع عضويته الدائمة ومراجعة آليات استخدام حق النقض (الفيتو)، مؤكدًا على التزام الجزائر بمبادئ السيادة الوطنية، وعدم التدخل، والتسوية السلمية للنزاعات.
كما تناول اللقاء التحديات الأمنية في منطقة الساحل وليبيا، حيث أبدى الطرفان اتفاقًا على أهمية التشاور المستمر وتكامل الأدوار لضمان الاستقرار ومكافحة الإرهاب.
من جهته، عبّر السفير الأوروبي عن ارتياحه لمستوى العلاقات السياسية والدبلوماسية بين الطرفين، مؤكدًا أن الاتحاد الأوروبي ينظر إلى الجزائر كـ”شريك موثوق ومحوري في منطقة المتوسط وشمال إفريقيا”. كما ثمّن التزام الجزائر بقضايا التحول الطاقوي، الأمن الغذائي، والتنمية المستدامة، مجددًا دعم الاتحاد لهذه المسارات.
أما على الصعيد البرلماني، فقد دعا الطرفان إلى تفعيل التعاون بين البرلمان الجزائري والبرلمان الأوروبي، عبر إعادة تنشيط لجان الصداقة، باعتبار الدبلوماسية البرلمانية أداة داعمة للدبلوماسية التقليدية.
اتفاق الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي
وُقّع اتفاق الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي يوم 22 افريل 2002، ودخل حيّز التنفيذ في 1 سبتمبر 2005، في إطار سياسة الجوار الأوروبية. يهدف هذا الاتفاق إلى تأسيس منطقة تجارة حرّة تدريجية، وتعزيز التعاون السياسي، الاقتصادي، والثقافي بين الطرفين. كما يسعى إلى مرافقة الإصلاحات التي باشرتها الجزائر في تلك المرحلة، من خلال دعم التحول الديمقراطي وتحديث الاقتصاد الوطني، إضافة إلى تعزيز الحوار حول قضايا مثل حقوق الإنسان، الهجرة، مكافحة الإرهاب، والتعليم العالي.
ينص الاتفاق على إزالة تدريجية للرسوم الجمركية على المنتجات الصناعية القادمة من أوروبا، مقابل فتح تدريجي للأسواق الأوروبية أمام بعض المنتجات الجزائرية، مع التركيز على التعاون في مجالات الطاقة والتكنولوجيا. لكن بعد أكثر من 15 سنة من التطبيق، ترى الجزائر أن المكاسب ظلت غير متوازنة، حيث استفاد الاتحاد الأوروبي من تسهيلات كبيرة في تصدير منتجاته إلى السوق الجزائرية، بينما لم تشهد الاستثمارات الأوروبية في الجزائر نموًا يُوازي ذلك، وظلت الواردات الأوروبية مرتفعة بشكل كبير مقارنة بالصادرات الجزائرية غير النفطية، مما عمّق العجز التجاري لصالح الاتحاد.
في السنوات الأخيرة، دعت الجزائر، على أعلى المستويات، إلى مراجعة بنود الاتفاق بما يخدم المصالح الوطنية الحيوية، خاصة في ظل التحولات التي تعرفها البلاد نحو بناء اقتصاد متنوع وغير ريعي. وأطلقت الحكومة الجزائرية منذ 2020 تقييمًا شاملًا للاتفاق، شمل قطاعات اقتصادية وإدارية، بهدف إعادة التفاوض على بنود تمسّ الاستثمار، والتجارة، ونقل التكنولوجيا. وقد أكّد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، مرارًا، أن الشراكة مع الاتحاد الأوروبي يجب أن تقوم على أسس الندية والاحترام المتبادل، وليس على قاعدة امتيازات أحادية الجانب. في المقابل، عبّر الاتحاد الأوروبي عن استعداده لمناقشة هذه التحفظات في إطار مراجعة ديناميكية للاتفاق.