سويسرا تُغلق أبوابها أمام فلسطين: حيادٌ يتصدّع تحت الضغط الصهيوني

في مشهد لم يعد استثنائيًا، أقدمت جامعة برن السويسرية يوم الثلاثاء 2 جويلية 2025، على إلغاء ندوة أكاديمية كانت مخصصة لمناقشة الوضع في قطاع غزة، قبل ساعات فقط من انطلاقها. الندوة، التي كانت مقررة داخل الحرم الجامعي، كان من المنتظر أن تجمع بين أنييس كالامارد، الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية، وفرانشيسكا ألبانيز، المقرّرة الأممية الخاصة بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

القرار، وفق ما صرحت به منظمة العفو الدولية، جاء بذريعة أن مواقف ألبانيز “متطرفة”، ما جعل الجامعة السويسرية تتراجع عن توفير القاعة المخصصة للندوة. إلا أن خلف هذه الذريعة، يُفهم أن القرار جاء رضوخًا لضغوط سياسية مارسها لوبي داعم لإسرائيل، لا سيما بعد حملات على مواقع التواصل ووسائل إعلام مقرّبة من جهات صهيونية اتهمت ألبانيز بـ”التحريض”.

الواقعة أثارت دهشة العفو الدولية، التي اعتبرت أن الاعتماد على “منشورات من حسابات مجهولة” لتقييد نشاط أكاديمي رسمي، يُعدّ انتهاكًا لحرية التعبير و”رضوخًا غير مبرر لضغط سياسي خارجي”.

 حياد سويسري متآكل: سابقة ليست الأولى

حادثة جامعة برن السويسرية ليست معزولة. فخلال مارس 2025، أعلنت وزارة الخارجية السويسرية إلغاء مؤتمر دولي كان يفترض أن يُعقد في جنيف لتقييم مدى التزام “إسرائيل” باتفاقيات جنيف في الأراضي المحتلة. الإلغاء جاء بعد ضغوط علنية من إسرائيل، بحجة أن المؤتمر “متحيّز”.

وفي سبتمبر 2023، أقدمت جامعة زيورخ على رفض استضافة معرض طلابي حول النكبة الفلسطينية، تحت ذريعة الحفاظ على “الحياد السياسي”، رغم كون النشاط ضمن فضاء طلابي حر. وقبل ذلك، ألغت بلدية جنيف فعالية لـ”منظمة الحق” الفلسطينية، بدعوى أن عرضها يمثل “خطابًا غير متوازن”، في حين كانت الفعالية مدعومة من هيئات حقوقية أوروبية.

سويسرا بين الحياد المعلن والضغط الفعلي

تُقدَّم سويسرا دوليًا على أنها بلد الحياد والمقاربات المتوازنة في القضايا الدولية، إلا أن ممارسات مؤسساتها، خاصة الأكاديمية والحكومية، باتت تُظهر ميلًا متزايدًا نحو الرقابة المُبطّنة على الخطاب الفلسطيني، حين يتعارض مع مصالح دوائر التأثير الموالية لإسرائيل.

وبينما كانت جامعات سويسرية من قبل منابر لحوار متنوع ومنفتح، تشير الحوادث الأخيرة إلى تآكل تدريجي لهذا الدور، لصالح أجندات ضغط خارجي تحدّ من استقلالية القرار الأكاديمي والإداري، في بلد كان يُعتبر مرجعًا في التعددية والحرية الأكاديمية.

إلغاء ندوة غزة في برن ليس حادثًا معزولًا، بل حلقة جديدة في سلسلة من التراجعات السويسرية أمام ضغط اللوبي الصهيوني، ما يضع مفهوم الحياد السويسري موضع مساءلة جادة. إذ أن حيادًا لا يصمد أمام حسابات وهمية وحملات خارجية، يصبح حيادًا انتقائيًا، لا ينسجم مع التقاليد الديمقراطية التي طالما افتخرت بها سويسرا.

Exit mobile version